الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فقد حدد الإسلام قواعد الإرث وأنصبة الورثة، وحق الذكر وحق الأنثى، وكل ما يتعلق بهذه الحقوق، فلا مجال حينئذ لظلم هذا الولد أو بر الولد الآخر. كما حدد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حق الأولاد فيما يهبه لهم أبوهم في حياته؛ ذلكم أن بعض الآباء قد يميل فيهب بعض أولاده ويحرم البعض الآخر؛ لأسباب عدة، تتداخل فيها العاطفة والمحبة، وبعد الولد أو قربه من أبيه، ووجود أمه عنده وعدم وجود الأم الأخرى، وخشية من هذا الميل أوجب الله المساواة في العطية بين الأولاد. والأصل فيه حديث النعمان بن بشير -رضي الله عنه- قال: (سألت أمي أبي بعض الموهبة لي من ماله، ثم بدا له فوهبها لي، فقالت: لا أرضى حتى تشهد النبي – صلى الله عليه وسلم -، فأخذ بيدي وأنا غلام، فأتى بي النبي – صلى الله عليه وسلم -، فقال: إن أمه بنت رواحة سألتني بعض الموهبة لهذا، قال: «ألك ولد سواه؟»، قال: نعم، قال: فأراه، قال: «لا تشهدني على جور» وقال أبو حريز عن الشعبي، «لا أشهد على جور)([1]).
فهذا حكم واضح في عدم التفرقة في العطايا بين الأولاد في ذكورهم وإناثهم كبيرهم وصغيرهم. كلهم سواء لا فرق بينهم، ولكن قد يحدث أن يكون أحدهم أقرب إلى أبيه، كما لو كان يعمل مدة في زراعته أو تجارته، فمن العدل حينئذ أن يبره ويميزه عن إخوته بما يتوازن مع جهده، فهذا لا بأس به. وعلى الوالد حينئذ إشعار أولاده الآخرين عن تمييزه لولده لقاء جهده وعمله معه. هذا جائز ولا حرج فيه، فالغنم بالغرم.
والحاصل أنه من الواجب على الوالدين المساواة بين أولادهم في العطية، مالم يكن هناك سبب مشروع لتمييز أحدهم عن إخوته مقابل جهده. والله-تعالى- أعلم.
[1] – أخرجه البخاري برقم: (2650).