الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد، أما بعد:
فظاهر سؤال الأخت أنها مطلقة، وهي حامل في الشهر الأول، وليس لها مال، وتسأل عما إذا كان يجوز لها إسقاط الجنين.
والجواب: أن من نعم الله على العبد امتنانه عليه بالولد فهذا من آياته وفي هذا قال تقدس اسمه: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ) (النحل:72).
فالعبد هنا يجب عليه الشكر بما أنعم به ربه عليه فلا يجوز له مقابلة هذه النعمة بالجحود والعبث، بل يجب مقابلتها بالشكر وعدم الكفر بها، وفي هذا قال جل في علاه: (إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) (إبراهيم:7)، ومن الكفر بهذه النعمة أي نعمة الولد إسقاطه بلا سبب مشروع، كمرض الأم أو تعرضها لحادث ونحوه، أما خوفها من عدم مال لديها لتربيته لكونها أصبحت مطلقة فهذا من الاعتراض على قدر الله، واليأس من رحمته، وهو الذي خلق الخلق وتعهد برزقهم في قوله عز وجل: (وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ۚ كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) (هود:6)، فالمؤمن لا يخشى ولا يخاف من عدم وجود مال لديه، فالله هو الرازق والمدبر فما على العبد إلا العمل.
هذا في عموم المسألة: أما عن السؤال فلا يجوز للأخت إسقاط حملها ما لم يكن لديها عذر شرعي، أما خوفها من عدم الإنفاق عليه بعد طلاقها فهذا كله بيد الله، فقد ييسر لها زوجا صالحا يقوم على رعايتها، وقد يأتيها رزقها من حيث لا تحتسب.
فالحاصل: أنه لا يجوز إسقاط حملها، وعليها التوكل على لإكمال الحمل فإذا صبرت واحتسبت رزقها الله من حيث لم تحتسب قال عز وجل: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا،وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) (الطلاق:2-3).
قلت: والرجال الذين يتهاونون في الطلاق فيظلمون زوجاتهم، ويجعلونهن عرضة للحاجة وعرضة للخطر إنما يظلمون أنفسهم، فلما أباح الله الطلاق أباحه لحكمة، وليس العبث وظلم المرأة فجعل عز وجل عقد الزواج بها ميثاقا غليظا في قوله تقدس اسمه: (وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا) (النساء:21).
والله تعالى أعلم.