الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فتوصيل المرأة لشعرها ظاهرة قديمة، وقد يكون السبب ابتغاء الزينة والحسن والجمال، وقد يكون مجرد عادة أو بسبب مرض أو نحوه، والأصل فيه عدم الجواز؛ لما رواه عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- بقوله: ” لَعَنَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الوَاصِلَةَ والمُسْتَوْصِلَةَ، والوَاشِمَةَ والمُسْتَوْشِمَةَ”([1]).
وهذا الوصل للشعر من إغواء الشيطان وإضلاله للعبد، وقد حكى الله عنه بقوله: (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ ۚ)(النساء:119)، والمعنى واضح في أن كل تغيير لخلق يعد اتباعًا للشيطان وضلاله، ويأثم فيه العبد إثمًا عظيمًا إذا لم يكن له عذر مشروع.
هذا في عموم المسألة، أما عن سؤال الأخت عن تساقط شعرها وما إذا كان يجوز وصله، خاصة أنها في مرحلة الزواج
فالجواب أن الأصل في الوصل المنع -كما سبق ذكره-، واستثناء من هذا المنع يمكن القول بإباحة هذا الوصل في هذه المسألة؛ استدلالًا بمسألتين: أولاهما: حدوث الضرر بحسب أن هذا التساقط حالة مرضية، يمكن معها الإباحة بسبب هذا الضرر، والخشية من فوات الزواج الذي يعد من فروع الدين، وإباحة المحرم بسبب الضرورة أصل في الشريعة؛ لقول الله –عز وجل-: (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)(البقرة:173). قد يقول قائل إن المراد بهذه الضرورة حفظ النفس، فكيف نتجاوز ونقول بالإباحة؟ فيقال له: الزواج من حفظ الدين، والخشية من فواته مما يمكن تقديرها.
المسألة الثانية :قياس هذه المسألة على جواز استخدام الذهب للرجال في حالات معينة، كحالة السن وإصلاح الخلل في عضو من أعضاء الجسد لا يعالج إلا به كالأنف، والشاهد فيه ما ذهب إليه جمهور العلماء من المالكية([2]) والشافعية ([3])والحنابلة ([4])ومحمد بن الحسن من المذهب الحنفي([5]) وفي قول للإمام أبي حنيفة([6]) استدلالًا بما رواه عبدالرحمن بن طرفة بن عرفجة :أنَّ جَدَّه عَرفجةَ بنَ أسعدَ قُطِعَ أنفُه يومَ الكُلابِ، فاتَّخَذ أنفًا مِن وَرِقٍ، فأنتَنَ عليه، فأمَرَه النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- فاتَّخَذ أنفًا مِن ذهَبٍ ([7]). ولأن الضرورة تقدر بقدرها يجب على الأخت السائلة النظر إلى إن هذا الوصل حالة مؤقتة، ينبغي لها تركه بعد علاج تساقط شعرها . كما يجب عليها إخبار زوجها عن تساقط شعرها والاستعانة بشعر مستعار مؤقت؛ حتى لا يكون سكوتها عن اخبار زوجها غشًّا له، والغش مما حرمه الله بين عباده .
والله -تعالى- أعلم.
[1] رواه البخاري(5947).
[2] -مواهب الجليل للحَطَّاب (1/181)، وشرح الزرقاني على مختصر خليل وحاشية البناني (1/66)، ومنح الجليل لعليش (1/58).
[3] – فتح العزيز للرافعي (6/27)، و المجموع للنووي (1/256).
[4] – شرح منتهى الإرادات للبُهُوتي (1/433)، وكشاف القناع للبُهُوتي (2/238).
[5] – شرح مختصر الطحاوي للجصاص (8/533)، والهداية شرح البداية)) للمرغيناني (4/82).
[6] – شرح مختصر الطحاوي للجصاص (8/533)، والهداية شرح البداية)) للمرغيناني (4/82).
[7] – أخرجه أبو داود (4232) واللَّفظُ له، والتِّرمذي (1770)، والنَّسائي (5161)، وأحمد (19006). قال التِّرمذي: حسن غريب، وحَسَّنَه النووي في ((المجموع)) (1/254)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4232).