الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فهذا الاحتفال بميلاد الإنسان من الأمور المستحدثة، فلم يكن هذا الاحتفال معلومًا في زمن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو صحابته أو التابعين لهم أو عند السلف عمومًا، فالإسلام أكد الاحتفال بعيدين في السنة، هما عيد الفطر وعيد الأضحى المبارك، والأصل في ذلك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما قدم المدينة كان لهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ((ما هذان اليومان؟))، قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله قد أبدلكم بهما خيرًا منهما: يوم الأضحى، ويوم الفطر))([1]).
ففي هذين العيدين يباح اللعب، ففي حديث أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت إن الحبشة كانوا يلعبون عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في يوم عيد، قالت: فاطلعت من فوق عاتقه، فطأطأ لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منكبيه، فجعلت أنظر إليهم من فوق عاتقه حتى شبعت، ثم انصرفت([2]).
وفي حديث آخر عنها -رضي الله عنها- قالت: إن أبا بكر دخل عليها والنبي -صلى الله عليه وسلم- عندها يوم فطر أو أضحى، وعندها قينتان تغنيان بما تقاذفت الأنصار يوم بعاث، فقال أبو بكر: مزمار الشيطان؟ مرتين، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((دعهما يا أبا بكر، إن لكل قوم عيدًا، وإن عيدنا هذا اليوم))([3]).
وقد درج المسلمون في مختلف عصورهم على الاحتفال بهذين العيدين واللعب فيهما؛ اتباعًا لسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
أما الاحتفال بالأمور الأخرى المستحدثة، فيعد من البدع ولكن يمكن تسمية هذه بـ(المناسبات) المباحة، فمن المعلوم أن الإنسان يود أن يتذكر ميلاده، فلا بأس في ذلك إذا كان هذا التذكر لشكر الله، فيجتمع مع ولده وأسرته في منزلهم ويشكرون الله على ما أنعم عليهم من نعمة الخلق والصحة والرزق ونحو ذلك، فهذا لا بأس به إن شاء الله؛ لأنه من باب الشكر لله.
([1]) أخرجه أبو داود، كتاب: الصلاة، باب: صلاة العيدين، برقم: (1134)، (2/345)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، برقم: (1039)، (4/297).
([2]) أخرجه البخاري، كتاب: الصلاة، باب: أصحاب الحراب في المسجد، برقم: (454)، (1/98)، ومسلم، كتاب: صلاة العيدين، برقم: (892)، (3/22)، وأحمد، برقم: (24296)، (40/338)، واللفظ له.
([3]) أخرجه البخاري، كتاب: مناقب الأنصار، باب: مقدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة، برقم: (3931)، (5/67)، واللفظ له، ومسلم، كتاب: صلاة العيدين، برقم: (892)، (3/21).