سؤال من الأخت (رشا) .. من الجزائر تقول فيه: ‏اشتريت أثاثًا بالتقسيط، ودفعت ثمنه زائدًا عن الثمن الأصلي، فهل يعد هذا ربا؟.

حكم شراء أثاثًا بالتقسيط، ودفع ثمن زائدًا عن الثمن الأصلي

البيع بالتقسيط بيع بأجَلٍ آجِلٍ معلوم يتفق عليه البائع والمشتري، مثله مثل الدين، أو هو الدين نفسه، وإن اختلف الاسم، والأصل في جوازه الكتاب والسنة.

أما الكتاب: فقول الله -عز وجل-: {وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275]، وقوله -عز ذكره-:‏ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282].

وأما السنة: فما ورد في صحيح البخاري عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-أنها أخبرت رسول الله -ﷺ- بأن بريرة([1]) جاءت تستعينها في (كتابتها)، ولم تكن قضت منها، قالت لها عائشة:‏ ارجعي إلى أهلك، فإن أحبوا أن أقضي عنك كتابتك، ويكونَ ولاؤك لي فعلتُ، فذكرت ذلك بريرة إلى أهلها، فأبوا، وقالوا: ‏إن شاءت أن تحتسب عليك فلتفعل، ويكون لنا ولاؤك، فذكرت ذلك لرسول الله -ﷺ-، فقال لها: ‏(ابتاعي فأعتقي، فإنما الولاء لمن أعتق)([2])، وقد كاتبت بريرة أن على أهلها تسعَ أواقٍ، كل عام أوقية، فقالت لعائشة -رضي الله عنها-: أعينيني، فدل هذا على إجازة رسول الله -ﷺ-للمكاتبة بالأجل، وهذه الإجازة دليل على إجازة البيع بالتقسيط بطريق القياس.

وكثرة البيع بالتقسيط من المألوف والمرغوب فيه في هذا الزمان؛ لفوائده للمقسِّط والمقسَّطِ له، فهو يسهل للأول عمله التجاري، ويسهل للثاني الحصول على مبتغاه دون قسره على الدفع العاجل الذي قد لا يتيسر له.

وجواز البيع بالتقسيط يتطلب بالضرورة تحقيق عدة شروط:‏

الشرط الأول:‏ أن يكون محل البيع في ملك البائع وقبضته وقت البيع، والأصل فيه حديث حكيم بن هشام قال:‏ قلت:‏ يا رسول الله! يأتيني الرجل يسألني عن البيع، ليس عندي ما أبيعه، ثم أبتاعه من السوق، فقال له رسول الله -ﷺ-: ‏(لا تبع ما ليس عندك)([3])، وما رواه عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-أن رسول الله -ﷺ-قال:‏ (من ابتاع طعامًا فلا يبعه حتى يقبضه)([4])، فلو اتفق البائع على أن يبيع للمشتري سلعة لم تكن في ملكه وفي قبضته لم يجز البيع.

الشرط الثاني:‏ تحريم التحايل في البيع للحصول على النقد من البائع، ومثال ذلك: من يشتري سلعة بالتقسيط، ثم يبيعها على من اشتراها منه بأقل من قيمتها، فهذا مما لا يجوز، ويسمى بيع (العينة)، وغالب الفقهاء على عدم جوازه، والأصل فيه حديث عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما-أن رسول الله -ﷺ-قال: (إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذُلًّا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم)([5]).

الشرط الثالت: تحريم الإمهال في السداد مع الزيادة في قيمة السلعة، بحيث إذا حل أجل الأقساط، ولم يتمكن المشتري من السداد زاد البائع في القيمة، وهذا في معنى ربا النسيئة الذي حرمه الله في قوله -عز وجل-: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} [التوبة: 37].

والشرط الرابع: أن يكون التقسيط معلوم الكمية (بضاعة واحدة أو عدة بضائع)، وأن يكون معلوم الصفة (طعامًا أو شرابًا أو أثاثًا أو نحوه)، وأن يكون أجل السداد معلومًا؛ وذلك منعًا لأي التباس.

فإذا توافرت هذه الشروط فالبيع صحيح.

وخلاصة المسألة:‏ أن بيع التقسيط جائز شرعًا إذا كان المبيع في ملك البائع وقبضته، ولم يكن فيه تحايل ببيع المبيع على البائع، ولم يكن فيه زيادة في القيمة، وتحريم الإمهال في السداد مع الزيادة في قيمة السلعة، وأن المبيع معلوم الكمية والصفة والأجل، ‏فإذا كانت هذه الشروط أو الضوابط تتوافر في شراء الأثاث الذي اشترته الأخت السائلة بالتقسيط فهو بيع صحيح، ولا مجال فيه للربا.

والله تعالى أعلم.

([1]) بريرة مولاة عائشة بنت أبي بكر-رضي الله عنهم-، كانت مولاة لبعض بني هلال، فكاتبوها، ثم باعوها من عائشة، وجاء الحديث في شأنها بأن الولاء لمن أعتق، وعتقت تحت زوجها، فخيرها رسول الله-ﷺ-، فكانت سنة، واختُلف في زوجها، أكان عبدًا أم حرًّا؟، فمن نقل من أهل المدينة أنه كان عبدًا يسمى مغيثًا، وفي نقل أهل العراق أنه كان حرًّا. الوافي بالوفيات للصفدي 3/370.

([2]) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب ذكر البيع والشراء على المنبر في المسجد، برقم (456) فتح الباري ج1 ص655.

([3]) أخرجه أبو داود في كتاب الإجارة باب في الرجل يبيع ما ليس عنده، برقم (353) ج3 ص166، صححه النووي في المجموع، (٩/٢٥٩).

([4]) أخرجه البخاري في كتاب البيوع باب ما يذكر في بيع الطعام والحكرة، برقم (2133) فتح الباري ج4 ص407.

([5]) أخرجه أبو داود في كتاب الإجارة، باب في النهي عن العينة، برقم (3462) ج3 ص253، صححه الألباني في صحيح أبي داود، (٣٤٦٢).