الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد، أما بعد:
فالحلف كذبًا لا يجوز أصلًا، وإن مما يجب على المسلم أن يكون صادقا في قوله وفعله؛ لأنه يحلف باسم الله الأعظمِ فاطرِ السماوات والأرض، فإن كان يحلف ليأخذ مال امرئ مسلم دون حق لقي الله وهو عليه غضبان، وذلك فيما رواه عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه-أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-قال: «مَن حَلَفَ علَى يَمِينِ صَبْرٍ، يَقْتَطِعُ بها مالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، لَقِيَ اللَّهَ وهو عليه غَضْبانُ»([1])، وقد عظَّمَ الله-عز وجل-أمر الحلف في عمومه في قوله-تقدس اسمه-: ﴿وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ۚ﴾ (المائدة: 89)، وقوله-عز ذكره-: ﴿وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ (البقرة:224)، كما عظَّمه رسول الله-صلى الله عليه وسلم-فيما رواه عمران بن الحصين-رضي الله عنه-: «مَن حلفَ على يمينٍ مَصبورة ٍكاذبًا فليتبوَّأْ بوجهِه مقعدَه من النَّارِ»([2]).
ومع وجوب حفظ اليمين، وعظم الحلف بالله-عز وجل-، وعدم الكذب في عمومه، يستثنى من ذلك ثلاثة أمور:
أولها: الإصلاح بين المتخاصمين؛ لدفع العداوة والبغضاء بينهما، فيقول مثلا لأحد المتخاصمين: إن فلانا (خصمه) يحبك، ويريد لك الخير، ونحو ذلك من العبارات التي تنفي ما بين المتخاصمين من العداوة.
والثاني: كذب الرجل على زوجته، وكذب المرأة على زوجها ابتغاءَ إبطالِ ما يكون بينهما من سوء العشرة، فيقول لها: أنت أحبُّ إليَّ من كل النساء، وتقول له: أنت أفضل رجل سمعت عنه، وهكذا.
والثالث: الكذب في الجهاد، بمعنى أن يعظم من أمر المجاهدين، ويقلل من عدوهم .
فالحاصل: أن الكذب محرم إلا في الحالات المشار إليها، وهي: الكذب في الجهاد، والكذب للإصلاح بين المتخاصمين، والكذب بين الزوج وزوجته.
أما بالنسبة لسؤال الأخت عن الكفارة فإن جمهور العلماء على أنه لا كفارة فيما فعلتْه من الحلف كذبا للإصلاح بين المتخاصمين([3]).
وفي مذهب الإمام الشافعي-رحمه الله-وجوب الكفارة([4])، ولعل هذا الأحوط والأفضل، وفي كل الأحوال على الأخت السائلة أن تتوب إلى الله، وتستغفره، وتحفظ أيمانها. والله-تعالى-أعلم.
[1] -أخرجه البخاري (6676)، ومسلم (138).
[2] – أخرجه أبو داود (3242)، واللفظ له، وأحمد (19912)، قال الألباني في السلسلة الصحيحة، (٢٣٣٢): صحيح على شرط الشيخين.
[3] – فتح القدير لابن الهمام 4 / 3 والشرح الصغير بحاشية الصاوي للدردير 1 / 330 – 331، ومطالب أولي النهى للرحيباني 6 / 368.
[4] – أسنى المطالب لزكريا الأنصاري 4 / 240 – 241.