الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فظاهر سؤال الأخت عن نشر صور (عارضات الأزياء) في موقعها في وسائل التواصل الاجتماعي؛ ليطلع عليها زبائن محلها، وتسأل عما إذا كان عليها إثم في ذلك.
والجواب عن هذا من وجهين:
الأول: التصوير ومدى مشروعيته، والأصل فيه عدم الجواز؛ لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لعن الله المصورين))([1])، وقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من صورَ صورةً في الدنيا، كُلِّفَ يومَ القيامةِ أن يَنفخَ فيها الروحَ، وليس بنافِخِه))([2])، والعلة في التحريم أن في التصوير مضاهاة لخلق الله، فيحرم على العبد صنع كل ما فيه هذه المضاهاة، ويشمل هذا التحريم كل تصوير لذات الروح من إنسان وحيوان، ولا يستثنى منه إلا ما تقتضيه الضرورة، كالتصوير للتوثيق أو لحفظ الحقوق ونحو ذلك مما تتطلبه ضرورة الإنسان في نفسه أو ماله.
الوجه الثاني: نشر صور عارضات الأزياء في وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها، ففي هذا النشر أفعال محرمة، منها: التبرج على نحو مشهود، وهذا محرم؛ لقول الله -تعالى-: ﴿وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾ [الأحزاب: 33]، ومنها إظهار الزينة لغير المحارم، وهذا أيضًا محرم بقول الله -تعالى-: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ﴾ [النور: 31]، ومن الأفعال المحرمة إظهار المرأة لجسدها ومفاتنها، وهذا مشاهد في عرض الأزياء، وقد حذر منه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقوله: ((صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها))([3])، ومن هذه الأفعال ابتذال المرأة وتكرار عرضها في وسائل التواصل الاجتماعي، مما يؤثر في كرامتها ومنزلتها، وفي هذا مخالفة لوصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالمرأة بقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((استوصوا بالنساء خيرًا))([4])، وقوله: ((شَرُّ نِسائِكُمُ المُتَبَرِّجَاتُ المُتَخَيِلاتُ، وهُنَّ المُنافِقَاتُ، لا يدخلُ الجنةَ مِنْهُنَّ إلَّا مثلُ الغُرَابِ الأَعْصَمِ))([5]).
فالخلاصة هنا: أن نشر صور عارضات الأزياء لا يجوز، فإذا نشرت الأخت هذه الصور فقد تكون شريكة في إثمها، ولكن يجوز لها أن تنشر صور الأزياء والألبسة وغيرها مما يكون مجردًا من صور ذوات الأرواح، فهذا مما لا حرج فيه. والله -تعالى- أعلم.
([1]) أخرجه البخاري، كتاب: الطلاق، باب: مهر البغي والنكاح الفاسد، برقم: (5347)، (7/61).
([2]) أخرجه البخاري، كتاب: اللباس، باب: من صور صورة كلف يوم القيامة أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ، برقم: (5963)، (7/169)، ومسلم، كتاب: اللباس والزينة، برقم: (2110)، (6/162).
([3]) أخرجه مسلم، كتاب: اللباس والزينة، برقم: (2128)، (6/168).
([4]) أخرجه البخاري، كتاب: النكاح، باب: الوصاة بالنساء، برقم: (5186)، (7/26)، ومسلم، كتاب: الرضاع، برقم: (1468)، (4/178).
([5]) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب: النكاح، باب: استحباب التزوج بالودود الولود، برقم: (13607)، (14/11-12)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم: (1849)، (4/464).