الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فهذه المسألة تأتي في إطار التعامل بين المسلمين وغيرهم؛ فالإسلام دين أمن وسلام، يقوم على حسن التعامل الإنساني والخلقي بين عباد الله، على أساس العدل ونفي الظلم، وما وضعه الله لهم من القواعد والأخلاق، رغم تفاوتهم في الاعتقاد. وقد بيّن الله أسس هذه العلاقة في قوله -عز وجل-: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: 83]. وقوله في العلاقة مع أهل الكتاب: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} [العنكبوت: 46]. وهذه العلاقة تتعدى إلى البر والقسط؛ كما في قوله -عز وجل-: {لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8]. ورغم الاختلاف في الاعتقاد فقد تعامل المسلمون مع أهل الكتاب وغيرهم، فتعامل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع عبد الله بن الأريقط – هو غير مسلم – ليكون دليلًا له في الطريق إلى المدينة([1])، وتعامل -عليه الصلاة والسلام- مع اليهود في المدينة، كما تعامل المسلمون مع نصارى نجران ونصارى أوربا، فكانت البعوث أيام الدولة العباسية قائمة مع أروبا، فقد أرسل ملك أوربا ابنه إلى هارون الرشيد لكي يتعلم من علوم المسلمين.
والحديث في هذا يطول، فاقتضى ما ذكر إقرار قاعدة التعامل بين المسلمين وغيرهم، في اطار العلائق الخلقية بين عباد الله، أنى كانت أجناسهم ومعتقداتهم.
هذا في العموم: أما عن سؤال الأخت عن التبرعات بين المسلمين وغيرهم، فهذا يعد فرعًا من قاعدة التعامل المشار إليه، فإذا كان المسلمون في حاجة في مأكلهم أو مشربهم أو ملبسهم جاز لهم قبول التبرعات من غير المسلمين، وإذا كانوا في حاجة إلى التبرع لهم لمساعدتهم في صنائعهم وعلومهم جاز لهم قبول تبرع غيرهم في هذا، ولكن لا يجب أن يكون هذا التبرع مشروطًا بشرط يؤثر في معتقدهم أو أخلاقهم، فمن يتبرع مثلًا ببناء مدارس للمسلمين ويشترط معه بناء مدارس لغيرهم لا يجوز قبول تبرعه، ومن يتبرع بأطعمة أو ملابس أو غير ذلك من أنواع التبرع على أساس حصوله على منفعة معينة تخدم غرضه لا يجوز قبول تبرعه..وهكذا في الأمور الصغرى والكبرى.
والله – تعالى- أعلم.
[1] – السيرة النبوية لابن كثير ج2ص260.