الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فظاهر سؤال الأخت أنها تواجه في مكان عملها أخطاء وظلمًا، وتنصح عن ذلك، ولكن لا تجد قبولًا لهذا النصح، فهل لها أن تستمر في نصحها؟ هذا هو ظاهر المسألة.
والجواب: أن الدعوة إلى الله في كل زمان ومكان تلاقي كثيرًا من المصاعب، فقد واجه رسل الله -عليهم السلام- هذه المصاعب، حين دعوا أقوامهم إلى الله وقبول رسالاته، في وجوب عبادته وتوحيده وطاعته وإحقاق الحقوق ودفع الظلم ونشر العدل بينهم، وكان آخر الأنبياء والرسل نبينا ورسولنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، فقد عانى في الدعوة إلى الله، فكذبه قومه واتهموه بأبشع التهم، ومع أن الله -عز وجل- بيّن لهم أنه أرسله رحمة للعالمين، ومع ذلك كادوا له، وقد بيّن الله له أنه ليس الرسول الوحيد الذي عاداه قومه، قال -عز ذكره-: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الروم: 47]، ثم أمره الله بالصبر على الدعوة بقوله -جل في علاه-: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف: 28]. وقال -تقدس اسمه-: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾ [الأحقاف: 35]، وقال لنبيه ورسوله محمد -صلى الله عليه وسلم-: ﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ﴾ [النحل: 127]، والآيات في هذا كثيرة.
فاقتضى ذلك أن الدعوة إلى تصحيح الأخطاء وتغيير المنكرات تحتاج إلى صبر وحكمة. أما الصبر، فعزم الداعي إلى الله أن يحتسب في دعوته ويصبر على ما قد يناله من الأذى، وأما الحكمة فتكون الدعوة بالموعظة الحسنة والمجادلة بالحسنى؛ عملًا بقول الله -عز وجل-: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل: 125].
فالحاصل: أن على الأخت في السؤال أن تصبر في نصحها، وعلى أن يكون ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة والكلمة الطيبة، فهذا هو الواجب؛ لأن السكوت عن الأخطاء والمنكرات لا يجوز.
والله -تعالى- أعلم.