الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد، أما بعد،،
فظاهر السؤال عن امرأة حامل وقد نزل عليها دم غامق والسؤال عما إذا كان هذا الدم يفسد صيامها.
والجواب: إن السؤال يتعلق بما إذا كان الدم الذي ينزل من الحامل دم حيض أم لا؟ وقد اختلف العلماء رحمهم الله في ذلك على قولين:
القول الأول:إن الحامل يمكن أن تحيض وذهب إلى هذا المالكية([1])والشافعية([2]) ورواية عن الإمام أحمد([3]) وقال به شيخ الإسلام بن تيمية([4]) وابن القيم([5]).
ويترتب على هذا القول أن نزول الدم من الحامل يمنعها عن الصلاة والصيام إلى أن تطه.
القول الثاني: أن الحامل لا تحيض، وهذا مذهب الحنفية([6]) والحنابلة([7])وقال به الإمام الشافعي في القديم([8]) وقال به أيضا شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله([9])ويترتب على هذا القول عدم فساد صيام الحامل بعد نزول الدم عليها.
قلت: ولعل هذا هو الصواب لأن الحامل في الأغلب الأعلم لا تحيض ولو حدثت حالة كما أشير إليه في السؤال فهذه الحالة من النادر والنادر لا يبنى عليه حكم.
فالحاصل أن صيام الحامل التي نزل عليها دم صيام صحيح إن شاءا لله وبالنسبة لصلاتها فعليها أن تتوضأ الوضوء المعتاد وتتحفظ مثل المستحاضة ويمكن لها أن تجمع صلاتي الظهر والعصر وصلاتي المغرب والعشاء بعد أن تتوضأ للصلاة.
والله تعالى أعلم
[1] ((الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي)) (2/459)، وينظر: ((المدونة الكبرى)) لسحنون (1/155)، ((القوانين الفقهية)) لابن جُزي (ص: 31).
[2] ((المجموع)) للنووي (2/347)، ((روضة الطالبين)) للنووي (1/174).
[3] قال ابن تيميَّة: (الحاملُ قد تحيضُ، وهو مذهبُ الشافعيِّ، وحكاه البيهقيُّ روايةً عن أحمد، بل حكى أنَّه رجع إليه). ((الاختيارات الفقهية)) (ص:30).
[4] قال ابن تيميَّة: (الحاملُ قد تحيض). ((الاختيارات الفقهية)) (ص: 30).
[5] قال ابن القيِّم: (النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قسَّم النِّساءَ إلى قسمين: حاملٌ؛ فعِدَّتها وضْعُ حَملِها، وحائلٌ فعِدَّتها بالحيضِ، ونحن قائلون بموجِبِ هذا غيرَ منازَعينَ فيه، ولكن أين فيه ما يدلُّ على أنَّ ما تراه الحامِلُ من الدَّم على عادتِها تصومُ معه وتصلِّي، هذا أمرٌ آخَر لا تعرُّضَ للحديث به). ((زاد المعاد)) (5/736).
[6] ((البحر الرائق)) لابن نجيم (1/201)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/42).
[7] ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/110)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/261).
[8] ((المجموع)) للنووي (2/384)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (1/356).
[9] قالت اللجنة الدائمة برئاسة ابن باز: (الصَّحيحُ من القولين: أنَّها لا تحيضُ أيَّام حَملِها؛ وذلك أنَّ الله سبحانه جعل من أنواع عدَّةِ المطلَّقة أن تحيضَ ثلاثَ حِيَضٍ؛ ليتبيَّن بذلك براءةُ رَحمِها من الحمْل، ولو كانت الحامِلُ تحيضُ ما صحَّ أن يُجعَلَ الحيضُ عِدَّةً لإثباتِ براءةِ الرَّحِم). ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الأولى)) (5/392).