الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد، أما بعد:
فالصلاة صلة بين العبد وربه، وقد نزهها الله من النجاسة، فلا يصليها إلا طاهر متجه بقلبه إلى ربه، يناجيه أن يمن عليه فيقبل منه صلاته، فالصلاة طهارة والخمر نجاسة، فلا يجتمعان في قلب مؤمن. وقد بيّن الله حكم الخمر بأنها رجس من عمل الشيطان، فقد كانت مباحة في الجاهلية وفي بداية الإسلام، وكان البعض يتعاطاها على أساس ما ورد عنها في كتاب الله -عز وجل- في قوله : (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا)(البقرة:219). وكان هذا التعاطي لها للمنافع وترك ما فيها من الإثم. ولما قرأ أحد الصحابة القرآن وهو يؤم أَصْحَابَهُ فِي الْمَغْرِبِ خَلَطَ فِي قِرَاءَتِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ قوله -عز وجل- : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ)(النساء:43) ، ثُمَّ أُنْزِلَ قوله -تقدس اسمه- : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(المائدة:90) فَقَالُوا: انْتَهَيْنَا رَبَّنَا. فحرم الله الخمر تحريمًا كاملًا وقاطعًا إلى يوم القيامة، كما حرم رسول الله -عليه الصلاة والسلام- الخمر فيما رواه جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أنه سمِع رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يقولُ عامَ الفتحِ، وهو بمكةَ : (إنَّ اللهَ ورسولَه حرَّم بيعَ الخمرِ والمَيتةِ والخِنزيرِ، والأصنامِ ) وفي حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنمها- قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ” لعن اللهُ الخمرَ وشاربَها وساقِيَها وبائعَها ومبتاعَها وعاصرَها ومعتَصِرَها وحاملَها والمحمولةَ إليه”([1]).
هذا من حيث العموم في المسألة، أما حكم الذي يشربها ويصلى هو سكران -كما ذكر- فصلاته باطلة؛ لأن الصلاة الصحيحة هي ما يتفق مع ما ورد في كتاب الله وسنة رسوله -عليه الصلاة والسلام-، وما عدا ذلك لا ينفع العمل صاحبه ففي حديث ثوبان -رضي الله عنه- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (لأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا ، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- هَبَاءً مَنْثُورًا)([2]).
فالحاصل أن صلاة المذكور في السؤال باطلة، وعليه أن يتقي الله، ويجتنب ما حرمه الله ورسوله.
ونسأل الله -عز وجل- أن يجعل أعمالنا صحيحة وخالصة لوجهه الكريم، وأن يجنبنا الخطأ والزلل، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والله -تعالى- أعلم.
[1] صحيح سنن أبي داود للألباني برقم(3674).
[2] – رواه البوصيري في “مصباح الزجاجة” (4/246) والألباني في “الصحيحة” ، وقال المنذري في الترغيب والترهيب” (3/170) : “رواته ثقات”.