سؤال من الأخت ث . ب. من الجزائر، تقول فيه: عند اختلاف العلماء في فرع فقهـي فبأي قول يعمل العامي إذا كان المذهب المالكي سائدًا في بلده؟.

بأي قول يعمل العامي عند اختلاف العلماء في فرع فقهـي

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فإن مذاهب الأئمة في الفقه تستمد  في مصدرها من منبع واحد،  هو كتاب الله، وسنة رسوله محمد-صلى الله عليه وسلم-، ومن إجماع الأمة، والقياس، والمصادر الأخرى الفرعية؛ فهذه المذاهب  وإن اختلفت في الاجتهاد وطرقه إلا أنها واحدة؛ لأن المنبع واحد،  ففي الذهاب إلى صلاة الجمعة-على سبيل المثال-يرى مذهب أنه يُستحَبُّ التبكيرُ من أوَّلِ النَّهارِ، وهو مذهبُ الجمهور: الحَنَفيَّة([1])، والشافعيَّة([2])، والحَنابِلَة([3])، وهو قولُ ابنِ حَبيبٍ مِنَ المالِكيَّة([4])، واختارَه ابنُ حزمٍ([5])، واستدلوا بحديث أبي هُرَيرَةَ -رَضِيَ اللهُ عنه-: أنَّ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- قال: «مَن اغتَسَلَ يومَ الجُمُعةِ غُسلَ الجَنابةِ، ثم راحَ في السَّاعةِ الأُولى، فكأنَّما قرَّب بَدنةً، ومَن راحَ في السَّاعةِ الثانيةِ فكأنَّما قرَّبَ بقرةً، ومَن راح في السَّاعةِ الثالثة فكأنَّما قرَّبَ كبشًا أقرنَ، ومَن راحَ في السَّاعةِ الرابعة فكأنَّما قرَّبَ دَجاجةً، ومَن راح في السَّاعةِ الخامسةِ فكأنَّما قرَّب بيضةً، فإذا خرَج الإمامُ حضرتِ الملائكةُ يَستمِعونَ الذِّكرَ»([6])، وفي لفظٍ: «إذا كان يومُ الجُمُعة وقَفَ على كلِّ بابٍ من أبوابِ المسجدِ مَلائكةٌ يَكتُبونَ الأوَّلَ فالأوَّلَ، فإذا خرَجَ الإمامُ طَوَوُا الصُّحفَ، وجاؤوا يَستمِعونَ»([7]).

و عن أبي هُرَيرَة -رَضِيَ اللهُ عنه- أيضًا-، أنَّ رَسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- قال: «إذا كانَ يومُ الجُمُعةِ كان على كلِّ بابٍ من أبوابِ المسجدِ الملائكةُ، يَكتُبونَ الأوَّلَ فالأَوَّلَ»([8]).

ويرى المالكية أن التهجيـر أفضلُ من التبكيـر([9])، والتهجيـر هنا من الهاجرة، أي: السير وقت الحر([10]).

فكل من أصـحاب المذهبين مجتهد، واجتهادهم  هذا حق، لكل منهم له سنده.

فللمسلم أن يتبع أحد  هذين المذهبين، ففي كل منهما خيـر، هذا في عموم المسألة، أما عن سؤال الأخت، فالمسلم العادي (العامي) ينبغـي له أن يقلد مذهبًا يراه سائدًا في بلاده، كسيادة المذهب المالكي في بلاد المغرب العربي، وبعض بلاد المسلمين، فإذا قلد المسلم العادي هذا المذهب أو ذاك فينبغـي له أن يلتـزم بما فيه، فلا  يأخذ من هذا  ويأخذ من ذاك؛ لأنه لا يعلم معنى الخلاف بين المذهبين،  فكان عليه أن يقلد مذهبًا واحدًا.

والله -تعالى- أعلم.

 

[1] حاشية ابن عابدين (1/169).

[2] المجموع للنووي (4/540)، ويُنظر: الحاوي الكبير للماوردي (2/452).

[3] كشاف القناع للبهوتي (2/ 42)، ويُنظر: المغني لابن قدامة (2/221).

[4] مواهب الجليل (2/535)، وينظر: الذخيرة للقرافي (2/350).

[5] المحلى (3/246).

[6] رواه البخاري (881)، ومسلم (850).

[7] رواه البخاري (881)، ومسلم (850).

[8] رواه البخاري (3211)، ومسلم (850).

[9] مواهب الجليل (2/535)، وينظر: الذخيرة للقرافي (2/350).

[10] فتح الباري للحافظ ابن حجر العسقلاني ج3 ص 19.