الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
ففي المسألة تفصيل، فإن كانت الأخت في السؤال قد أصيبت بمرض خلال شهر رمضان، وأفطرت بسببه ثم شفيت منه، فيجب عليها حينئذٍ صيام ما فاتها وتعجل بقضائه؛ لأنه دين لله عليها أحق بالوفاء؛ لقول الله -عز وجل-: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: ١٨٤]، وقول رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- دين الله أحق بالقضاء؛ لما رواه ابن عباس -رضي الله عنهما- أن امرأةً قالت لرسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: إن أمي ماتت وعليها صومُ رمضانَ، أفأصومُ عنها؟ قال: (أرأيتِ لو كان على أمِّك دَينٌ أكنتِ قاضيَتَه؟ اقضُوا اللهَ فاللهُ أحقُّ بالوفاءِ)([1])، أما إن كان مرضها مستمرًا ولا تستطيع القضاء بسببه، كمرض القلب أو الربو والأمراض الشديدة، فعليها كفارة، بحيث تطعم عن كل يوم مسكينًا، كيلو ونصف عدد أيام رمضان، ويكون الطعام من طعام المكان، فإن كان النقد أفضل للمسكين فتعطي له الكفارة نقدًا بما يساوي قيمة كيلو ونصف من الطعام. أما إن كانت الأمراض المذكورة مما يرجى برؤها، فتقضي ما فاتها بعد برئها، ولا كفارة عليها([2]).
والله -تعالى- أعلم
[1]-أخرجه البخاري (1953)، ومسلم (1148).
[2]– ومن فاته صوم رمضان كله ، قضى الشهر كله ، سواء ابتدأه من أول الشهر أو من أثنائه ، كأعداد الصلوات الفائتة . قال الأبي : القضاء لما فات من رمضان بالعدد : فمن أفطر رمضان كله ، وكان ثلاثين ، وقضاه في شهر بالهلال ، وكان تسعة وعشرين يوما ، صام يوما آخر . وإن فاته صوم رمضان وهو تسعة وعشرون يوما ، وقضاه في شهر – وكان ثلاثين يوما – فلا يلزمه صوم اليوم الأخير ، لقوله تعالى : { فعدة من أيام أخر } .
وقال ابن وهب : إن صام بالهلال ، كفاه ما صامه ، ولو كان تسعة وعشرين ، ورمضان ثلاثين . وكذا قال القاضي من الحنابلة : إن قضى شهرا هلاليا أجزأه ، سواء كان تاما أو ناقصا وإن لم يقض شهرا ، صام ثلاثين يوما . وهو ظاهر كلام الخرقي . قال المجد : وهو ظاهر كلام الإمام أحمد وقال : هو أشهر . ينظر: كشاف القناع 2 / 333 ، وجواهر الإكليل 1 / 153 و 154 .
ومذهب الحنفية ، وهو وجه محتمل عند الحنابلة : إطلاق التراخي بلا قيد ، فلو جاء رمضان آخر ، ولم يقض الفائت ، قدم صوم الأداء على القضاء ، حتى لو نوى الصوم عن القضاء لم يقع إلا عن الأداء ، ولا فدية عليه بالتأخير إليه ، لإطلاق النص ، وظاهر قوله تعالى : { فعدة من أيام أخر } ينظر: مراقي الفلاح ص 375 ، والفتاوى الهندية 1 / 208 ، والإنصاف 3 / 334 .وعند غير الحنفية يحرم التطوع بالصوم قبل قضاء رمضان ، ولا يصح تطوعه بالصوم قبل قضاء ما عليه من رمضان ، بل يبدأ بالفرض حتى يقضيه ، وإن كان عليه نذر صامه بعد الفرض ، لأن الصوم عبادة متكررة ، فلم يجز تأخير الأولى عن الثانية ، كالصلوات المفروضة. ينظر: كشاف القناع 2 / 334 ، المغني مع الشرح الكبير 3 / 83 . ينظر: الموسوعة الفقهية الكويتية: 28/ 75-76.