سؤال من الأخت ب.س. من الجزائر، تقول فيه: هل يجوز للجنب العاجز عن الغسل التيمم في كل وقت صلاة وليس الفجر فقط؟

هل يجوز للجنب العاجز عن الغسل التيمم

     الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

  فمن فضل الله على هذه الأمة أن جعل تكاليفها يسرًا، فلم يضيق عليها فيما تتعبد به، فمن هذه الفضائل التيمم، والأصل فيه قوله -تعالى-: (ن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ۚ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا)(المائدة:6) والأصل فيه أيضًا قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما في حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- 🙁 أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أحَدٌ قَبْلِي: نُصِرْتُ بالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وجُعِلَتْ لي الأرْضُ مَسْجِدًا وطَهُورًا، فأيُّما رَجُلٍ مِن أُمَّتي أدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ)([1]).

فالتيمم رخصة للعبد عندما يتعرض لسبب من أسبابه، ومنها أن يكون مصابًا بجرح ويخشى من خطره إذا استعمل الماء، وشاهده في حديث جابر -رضي الله عنه- قال خرَجْنا في سفَرٍ فأصابَ رجلًا منَّا حجَرٌ فشجَّهُ في رأسِهِ ثمَّ احتَلمَ، فسألَ أصحابَهُ فقالَ: هل تَجِدونَ لي رخصةً في التَّيمُّمِ؟ فَقالوا ما نجِدُ لَكَ رُخصةً وأنتَ تقدرُ علَى الماءِ، فاغتسَلَ فماتَ، فلمَّا قدِمنا علَى النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أُخْبِرَ بذلِكَ فقالَ: (قَتلوهُ قتلَهُمُ اللَّهُ ألا سألوا إذْ لَم يعلَموا فإنَّما شفاءُ العيِّ السُّؤالُ، إنَّما كانَ يَكْفيهِ أن يتيمَّمَ ويعصرَ – أو يعصبَ، شَكَّ موسَى – علَى جرحِهِ خرقةً ثمَّ يمسحَ عليها ويغسِلَ سائرَ جسدِهِ)([2]).

ومن الأسباب الوجيهة للتيمم عدم وجود الماء، أو وجوده ولكنه لا يكفيه لشربه أو طهارته، والشاهد فيه حديث عمران بن الحصين -رضي الله عنه- قال: إنَّ رَسولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- رَأَى رَجُلًا مُعْتَزِلًا لَمْ يُصَلِّ في القَوْمِ، فَقالَ:” يا فُلَانُ، ما مَنَعَكَ أنْ تُصَلِّيَ في القَوْمِ؟ فَقالَ يا رَسولَ اللَّهِ، أصَابَتْنِي جَنَابَةٌ ولَا مَاءَ، قالَ: عَلَيْكَ بالصَّعِيدِ فإنَّه يَكْفِيكَ”([3]).

ومن الأسباب الموجبة للتيمم برودة الماء أو شدة حرارته، والشاهد فيه حديث عمرو بن العاص -رضي الله عنه- قال: “احتَلمتُ في ليلةٍ باردةٍ في غزوةِ ذاتِ السُّلاسلِ، فأشفَقتُ إنِ اغتَسَلتُ أن أَهْلِكَ فتيمَّمتُ، ثمَّ صلَّيتُ بأصحابي الصُّبحَ، فذَكَروا ذلِكَ للنَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- فقالَ: يا عَمرو، صلَّيتَ بأصحابِكَ وأنتَ جنُبٌ ؟ فأخبرتُهُ بالَّذي مَنعَني منَ الاغتِسالِ، وقُلتُ: إنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ يقولُ:( وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ) فضحِكَ رسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ولم يَقُلْ شيئًا “([4]).

هذا في عموم المسألة، أما عن سؤال الأخت، فالتيمم بدل الماء لا فرق بينهما إلا ما أشير  إليه، فيمكن للمتيمم أن يصلي ويمس المصحف، ويمكن للعاجز  في السؤال أن يتيمم ويصلي الفروض والنوافل، فيصلي مثلًا الظهر والعصر بتيمم واحد، ما لم يحدث. ومادامت الأسباب الموجبة له قائمة فله أن يتيمم، كما لو كان يتطهر بالماء، والأصل فيه حديث أبي ذر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ( إِنَّ الصَّعِيدَ الطَّيِّبَ طَهُورُ الْمُسْلِمِ ، وَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ ، فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ فَلْيُمِسَّهُ بَشَرَتَهُ ، فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ  )([5]).

فالحاصل جوابًا عن سؤال الأخت أن التيمم بدل الماء إذا توافرت أسبابه، فيصلي المتيمم كما يصلي المتوضئ بالماء سواء بسواء.

والله – تعالى – أعلم.

 

[1] أخرجه البخاري (438)، ومسلم (521).

[2] أخرجه أبو داود (336) واللفظ له، والدارقطني (1/189)، والبيهقي (1115).

[3] رواه البخاري (348).

[4] أخرجه أبو داود (334) واللفظ له، وأحمد (17845).

[5] والحديث صحيح ، صححه النووي في “المجموع” (1/94) ، وقوى إسناده ابن حجر في “فتح الباري” (1/235) ، وصححه الشيخ الألباني في “صحيح أبي داود” (358) .