الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد، أما بعد:
فمسألة ثقب المرأة لأذنيها وأنفها مما هو معلوم لدى النساء وتحكمه الأعراف والتقاليد والمراد منه التزين، ومن النساء من يثقبن الأذنين ومنهن يثقبن الأنف، والغالب أن يكون هذا الثقب في حال الصغر تلافيا لفعله في الكبر وقيل بجوازه وقيل بعدمه فذهب الحنفية([1]) والحنابلة([2]) إلى جوازه استدلالا بأن نساء الصحابة رضي الله عنهم كن يتحلين في آذانهن وقد روي عَنْ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أنه قَالَ : خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ – وَلَمْ يَذْكُرْ أَذَانًا وَلا إِقَامَةً – ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ فَرَأَيْتُهُنَّ يَهْوِينَ إِلَى آذَانِهِنَّ وَحُلُوقِهِنَّ يَدْفَعْنَ إِلَى بِلالٍ ثُمَّ ارْتَفَعَ هُوَ وَبِلالٌ إِلَى بَيْتِهِ([3]) وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: جَلَسَ إِحْدَى عَشْرَةَ امْرَأَةً فَتَعَاهَدْنَ وَتَعَاقَدْنَ أَنْ لا يَكْتُمْنَ مِنْ أَخْبَارِ أَزْوَاجِهِنَّ شَيْئًا … قَالَتْ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ : زَوْجِي أَبُو زَرْعٍ وَمَا أَبُو زَرْعٍ أَنَاسَ مِنْ حُلِيٍّ أُذُنَيَّ … قَالَتْ عَائِشَةُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لأُمِّ زَرْعٍ ([4]) وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم ما فعله أبو زرع من ملء أذن أم زرع بالحلي حتى ثقل وتحرك.
وذهب الشافعية([5]) ووافقهم ابن الجوزي وابن عقيل الحنبليان إلى المنع منه([6]) ، وقالوا بأن فيه إيلام للجسم فلا يجوز وإن الزينة في الأذن ليست ضرورة ولا مهمة حتى يباح إيلام الأنثى من أجلها.
ولعل الصواب الراجح والله أعلم القول بجوازه مع كراهيته في الأنف لما يكون فيه من تشويه للوجه وإيلام لأنف.
والله تعالى أعلم
[1] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (6/227)، ((الفتاوى الهندية)) (6/445).
[2] ((الإقناع)) للحجاوي (1/22)، ((كشاف القناع)) للبُهُوتي (1/81).
[3] رواه البخاري ( 4951 ) ومسلم ( 884 ) .
[4] رواه البخاري ( 4893 ) ومسلم ( 2448 ) .
[5] ينظر: ((أسنى المطالب لزكريا الأنصاري مع حاشية الرملي الكبير)) (4/165)، ((تحفة المحتاج)) للهيتمي مع ((حاشية الشرواني)) (9/195).
[6] ينظر:((الإقناع)) للحجاوي (1/22)، ((كشاف القناع)) للبُهُوتي (1/81) ((تحفة المودود بأحكام المولود)) لابن القيم (ص: 210)، ((الفروع)) لمحمد بن مُفلِح (1/158).