سؤال من الأخت “بصمة ..” من الجزائر، تقول فيه: دائمًا على لساني أني أحلف بأمي عندما أحلف، ماذا عليَّ؟، حاولت نزعها، لكنها تخرج بعفوية.

حكم الحلف بغير الله

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فإن الله -عز وجل- أعظم وأكبر من أن يحلف العبد بغيره، وقد اعتاد بعض الناس على هذا الحلف، ولهم في ذلك حالتان:

الحالة الأولى: من حلف بغير الله، كالحلف بالكعبة أو الولي أو النبي، أو  حلف العبد بأبيه أو أمه مجردَ حلفٍ تَعَوَّدَهُ، وهو لا يعتقد  أن المحلوف به يضر أو ينفع-، فهذا الحلف -رغم ذلك- شرك، ولكنه شرك أصغر.

الحالة الثانية: إن كان الحالف يعتقد أن المحلوف يضر وينفع، كمثل الذين يتوسلون بالأموات، ويذبحون عند قبور من يسمونهم الأولياء، فهذا شرك أكبر، وعد الله -ووعده الحق- أنه لا يغفره بقوله-عز وجل-: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ﴾ (النساء: 49).

هذا هو الأصل في الشرك، وهو التحذير منه، وقد أكد ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقوله: «من حلفَ بغيرِ اللهِ فقد كفرَ أو أشركَ»([1])، وقوله -عليه الصلاة والسلام- في حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: «مَن كانَ حَالِفًا، فَلْيَحْلِفْ باللَّهِ أوْ لِيَصْمُتْ»([2])، وقوله -عليه الصلاة والسلام- في حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-أيضًا-: «ألَا إنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أنْ تَحْلِفُوا بآبَائِكُمْ، فمَن كانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ باللَّهِ، وإلَّا فَلْيَصْمُتْ»([3]). والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.

هذا في عموم المسألة بإيجاز، أما عن سؤال الأخت عن حلفها بأمها فهذا لا يجوز، بل هو محرم؛ لأنه شرك أصغر، وكون الحلف بأمها يجري على لسانها دون قصد لا يعفيها من الكف عن هذا الحلف، والواجب على العبد أن يحذر مما يقوله؛ لقول رسول الله  -صلى الله عليه وسلم- في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: «إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن سَخَطِ اللَّهِ، لا يُلْقِي لها بالًا، يَهْوِي بها في جَهَنَّمَ»([4]).

وما هذا الحلف والأحلاف المماثلة إلا من نزغات الشيطان، ومحاولته إضلالَ العبد وإغواءَه؛ ليكون من زمرته وأتباعه، وترسيخ ضلاله في النفوس، وقد حذر الله العباد من هذه العداوة بقوله -جل في علاه-: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ (فاطر:6).

فالحاصل: أن على الأخت في السؤال أن تكف عن الحلف بأمها أو بأي شيء آخر؛ لأن ذلك شرك أصغر، وأمر الشرك كبيره وصغيره أمر عظيم يجب الحذر منه.

والله -تعالى- أعلم.

[1] أخرجه أبو داود (3251)، والترمذي (1535)، واللفظ له، وأحمد (6072)، وقال الألباني في إرواء الغليل (2561): “صحيح”.

[2] أخرجه البخاري برقم (2679).

[3] أخرجه البخاري برقم (6108).

[4] أخرجه البخاري (6478).