الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فنص الحديث كما رواه معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه: (من أحبَّ أن يتمثَّلَ له النَّاسُ قيامًا، فليتبوَّأْ مقعدَه من النَّارِ)([1]) والتمثيل بمعنى القيام: أي من يحب أن يقوم الناس له، والمراد به من يعجب بنفسه أو بماله أو ولده فيحب أن يقوم له الناس والسبب في الوعيد على هذا الفعل أنه لا تفاضل بين عباد الله في أنسابهم أو ألوانهم أو أجناسهم إلا بماهم عليه من التقوى، وما عدا ذلك فهم فيه سواء ومتساوون في كرامتهم لقول الله تعالى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [الحجرات:13].
ولهذا ذم الله الكبر وإعجاب العبد بنفسه والأحاديث في هذا كثيرة منها ما رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَن جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاءَ، لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إلَيْهِ يَومَ القِيامَةِ)([2]) وقوله عليه الصلاة والسلام، فيما رواه عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (من لبس ثوبَ شهرةٍ ألبسَه اللهُ يومَ القيامةِ ثوبًا مثلَه ثم تلهبُ فيه النارُ وفي لفظٍ ثوبَ مذلَّةٍ)([3]). وقوله عليه الصلاة والسلام فيما رواه عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (يُحْشَرُ الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ فِي صُوَرِ الرِّجَالِ، يَغْشَاهُمُ الذُّلُّ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، يُسَاقُونَ إِلَى سِجْنِ جَهَنَّمَ، يُقَالُ لَهُ: بُولَسُ، تَعْلُوهُمْ نَارُ الْأَنْيَارِ، يُسْقَوْنَ مِنْ عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ: طِينَةِ الْخَبَالِ وفي رواية: “يَطَؤُهُمُ النَّاسُ بِأَقْدَامِهِمْ)([4]).
وهذا الوعيد لمن يريد أن يقوم له الناس لا يشمل الذي يقوم من نفسه طواعية تكريما لشيخ كبير في سنه أو لعالم لتقدير علمه أو جار أو قريب له أو يقوم الطلاب لمعلمهم تكريما له أو نحو ذلك. أما إذا كان المعلم يجبر طلابه على القيام له أو كان صاحب المصنع يأمر عماله بالقيام له إعجابا بنفسه وتكبرا عليهم فهذا هو المراد بالوعيد.
هذا في عموم المسألة: أما عن سؤال الأخت، فالجواب: أنه إذا كان الطلاب أو الطالبات يقومون من عند أنفسهم تكريما لمعلميهم دون أمر لهم فهذا لا حرج فيه إن شاء الله؛ لأن الوعيد منصب على من يريد أن يقوم له الناس إعجابا بنفسه وتكبرا عليهم.
والله تعالى أعلم.
[1] –أخرجه أبو داود برقم:(5229)، والترمذي برقم:(2755)، والإمام أحمد في مسنه برقم (16830) باختلاف يسير، صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (١/٦٩٤).
[2] –أخرجه البخاري برقم (3665 )و أخرجه مسلم (2085) باختلاف يسير.
[3] –أخرجه أبو داود برقم: (4029) واللفظ له، والنسائي في (السنن الكبرى) برقم: (9560)، وابن ماجه برقم: (3607)، والإمام أحمد في مسنده برقم: (5664)، صححه الألباني في غاية المرام (٩١).
[4] -أخرجه الترمذي، برقم (2492)، وأحمد في المسند، برقم (6677)، حسنه الألباني في صحيح الجامع، (٨٠٤٠).