الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فمن شرع الله وجوب رعاية كل مسؤول لرعيته، والأصل فيه قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- : ” كُلُّكُمْ رَاعٍ ومَسْؤُولٌ عن رَعِيَّتِهِ؛ فَالإِمَامُ رَاعٍ وهو مَسْؤُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، والرَّجُلُ في أهْلِهِ رَاعٍ وهو مَسْؤُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، والمَرْأَةُ في بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وهي مَسْؤُولَةٌ عن رَعِيَّتِهَا.. فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عن رَعِيَّتِهِ”([1]) وهذا التكليف يقتضي حكمًا العدل في هذه الرعاية؛ لأن العدل أصل في كل أمر، أمر الله به و أمر به رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وفي هذا قال -عز وجل-: “وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ”(الأنعام:152) وقوله: ” وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ”(النساء:58) والعدل لا يتوقف على المحبة أو البغضاء؛ لأنه أصل في ذاته، والشاهد فيه قول الله -تعالى-: ” وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ “(المائدة:8) ولو لم يكن العدل فريضة من فر ائض الله لطغـى الناس بعضهم على بعض، فاستحلوا دماءهم وأموالهم؛ ولهذا غضب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عندما أرادت أم عمرة أن تشهده على جور، وهو ما رواه النعمان بن بشير -رضي الله عنه- : ” تصَدَّق عليَّ أبي ببَعضِ مالِه، فقالت أمِّي عَمْرةُ بنتُ رَواحةَ: لا أرضى حتى تُشهِدَ رَسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-فانطلَقَ أبي إلى رَسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-؛ لِيُشهِدَ على صَدَقتي، فقال له رَسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: أفعَلْتَ هذا بوَلَدِك كُلِّهم؟ قال: لا. قال: اتَّقوا اللهَ واعدِلوا في أولادِكم. فرجَعَ أبي، فرَدَّ تلك الصَّدَقةَ”([2]) و في لفظٍ: ((فلا تُشهِدْني إذَن؛ فإنِّي لا أشهَدُ على جَورٍ))([3]).
نعم، لم يكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يرضى بهذا التفضيل بل غضب منه؛ لأنه يعلم أمر الله بالعدل وأن في تفضيل بعض الورثة على بعض سببًا للعداوة والبغضاء بين الورثة، وإخلالًا بالعدل الذي أمر الله به .
هذا في عموم المسألة، أما عن سؤال الأخت فلا يجوز لمورثهم أن يفضل بعضهم على بعض، فيوصي له بما يشاء، فالشاهد قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما رواه عمرو بن خارجة -رضي الله عنه-: ( لا وصية لوارث )( [4]).
أما إذا كان أحد الورثة قام بجهد في تنمية مال والده أو إدارته، أو كان للولد دين على أبيه، أو نحو ذلك مما لا أثر للورثة فيه فيجوز له أن يمنحه شيئًا من ماله وفي حياته .
فالحاصل : أنه لا يجوز للأب في السؤال تفضيل بعض ولده على ورثته، إلا إذا كان هذا الولد قام بجهد لأبيه خلاف إخوانه فيمنحه في حياته شيئًا عن ذلك .
والله -تعالى- أعلم .
[1] أخرجه البخاري (2554)، ومسلم (1829)، وأبو داود (2928)، والترمذي (1705)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (9173)، وأحمد (5167).
[2] أخرجه مسلم (3/1243) برقم (1623).
[3] أخرجه مسلم (3/1243) رقم (1623).
[4] رواه أبو داود (2870) والترمذي (2120) والنسائي (3671) وابن ماجه (2713) والحديث صححه الألباني في صحيح الجامع برقم(1720).