الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد، أما بعد:
فظاهر السؤال عمن أوصى أو يوصي بعدم حضور شخص جنازته؛ بسبب ما بينهما من العداوة والبغضاء.
والجواب أن الله -جل في علاه- حذر من سوء القطيعة بين الأقارب، وجعل هذه العداوة من المفاسد، في قوله : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ، أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ)(محمد:22-23). والفساد كذلك يشمل العداوة والبغضاء بين الأباعد. والشاهد فيه أن كل عداوة و بغضاء يتعرض لها المسلم من أخيه يعد من عمل الشيطان و إفسادًا في الأرض؛ ولهذا حذر الله من هذا العمل فقال : (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ)(المائدة:92) وكما حذر منه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال 🙁 لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أنْ يَهْجُرَ أخاهُ فَوْقَ ثَلاثِ لَيالٍ)([1]). وقال عليه الصلاة والسلام:” تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس ، فيغفر الله لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء ، فيقال أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا”([2]).
وعلى هذا لا يجوز للمسلم أن يوصي بقطيعة أخيه، سواء كان قريبًا له أم بعيدًا عنه؛ لأن الله لما وصف بعض الأزواج والولد بالعداوة قال -تقدس اسمه- (وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)(التغابن:14).
إن دين الإسلام دين المحبة والتسامح، قال -عز وجل- (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا)(البقرة:83). وقال -عز ذكره- (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا)(الإسراء:53).
إن من أخلاق المؤمنين وآدابهم نبذ العداوة والبغضاء، والبعد عن الفتن كل ما يضر في المسلم في دينه من قول أو عمل .
وأستشهد هنا بما فعله أحد مشايخنا -رحمه الله- فقد كان هذا قاضيًا في إحدى النواحي، فابتلاه أحد العامة بالإساءة إليه، وكان الشيخ يدعو له بالهداية، وكان -رحمه الله- قد رجع من حجه فقيل له: إن فلانًا قد توفي، فقال دلوني على قبره، فدلوه عليه فصلى عليه، ودعا له بالرحمة وطلب من الله العفو عنه فيما فعل . هذه هي أخلاق الرجال المؤمنين، الذين يرجون لقاء الله فطهر قلوبهم من العداوة والبغضاء.
هذا في عموم المسألة، أما عن سؤال الأخت فلا يجوز للشخص المشار إليه أن يوصي بالعداوة؛ لأن الوصية لا تكون إلا بما فيه نفع للموصي والموصى له، أو للمسلمين عامة، وما عدا ذلك فلا يجوز؛ لأنه وصية بمعصية.
والله -تعالى- أعلم.
[1] – أخرجه مسلم برقم: (2560).
[2] أخرجه الترمذي (747) مختصراً، وابن ماجه (1740)، وأحمد (8361) باختلاف يسير، وصححه الألباني في صحيح الجامع(4804).