الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد، أما بعد:
فظاهر السؤال أن السائل يعمل في مركز تجاري، ومن ضمن عمله تنزيل بضائع ومن ضمنها صناديق علب الخمر، وهو مضطر لهذا العمل كما يقول.
والجواب: أن لكسب المال وجوهًا وأنواعًا ووسائل، ففي الربا كسب لأصحابه، وكذا السحت والغصوب والسرقة والاحتيال ونحو ذلك مما هو كسب محرم، فالأصل في الكسب مشروعيته المترتبة من أوامر الله ونواهيه، وقد خاطب الله الصفوة من خلقه وهم الرسل والمؤمنون، فقال -عز ذكره- {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ۖ إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون: 51]. وقال -جل في علاه- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة: 172].
فالطيبات هي المعيار لمشروعية الكسب، ولم يستثن الله من الطيبات إلا ما ورد فيه نص وحكم في كتابه العزيز، وهذا الاستثناء للمضطر لحفظ نفسه، وفي هذا قال -جل في علاه-: {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ ۗ} [الأنعام: 119].
هذا في عموم المسألة، أما عن سؤال الأخ عن عمله في تنزيل صناديق علب الخمر فمما لا شك فيه أن أمر الخمر أمر عظيم، فقد وصفها الله في كتابه الكريم بأنها رجس من عمل الشيطان فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} [المائدة: 90-91]، وقد بين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من تصيبهم اللعنة في الخمر ومنهم “حاملها” فيما رواه عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: ” لعن اللهُ الخمرَ، وشارِبَها، وساقِيَها، وبائِعَها، و مُبْتَاعَهَا، وعاصرَهَا، ومُعْتَصِرَها، وحامِلَها، و المحمولَةَ إليهِ، وآكِلَ ثَمَنِها”([1]).
ومع أن الأخ السائل قد يكون مضطرًا للعمل في هذا المركز لمواجهة نفقات دراسته، ولأنه مضطر لهذا العمل فيصبر قليلا ويبحث عن عمل آخر؛ لأن من الخير له أن ينجو من هذا الإثم، فإذا عزم النية ابتغاء الكسب المشروع جعل الله له من كل ضيق مخرجًا، كما قال -تقدس اسمه-: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 2-3].
أسأل الله -عز وجل- له مخرجًا إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والله -تعالى- أعلم.
[1] صحيح سنن ابن ماجة للألباني(2741) وصحيح الجامع(5091).