الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد، أما بعد:
فالشهادة تبنـى على محلها، والشاهد على هذا المحل، والأصل أن يكون محل الشهادة مشروعًا، فمن شهد على زواج تتوافر فيه أركانه وشروطه فشهادته صحيحة، ومن شهد على بيع بضاعة مشروعة فشهادته صحيحة، وعلى العكس من ذلك من شهد على زواج لا تتوافر فيه شروط الزواج فشهادته باطلة، ومن شهد على بيع بضاعة غيـر مشروعة فشهادته باطلة، والمعنـى أن الشهادة المشروعة هي ما كانت قائمة على شيء مشروع، والأصل في هذا قول الله -عز وجل-: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} [الطلاق: 2]، والمعنـى ألا يشهد أحد إلا إذا كانت صفته العدالة، وهذا يقتضي ألا يشهد إلا على شيء مشروع، والمعنى الآخر أن تكون الشهادة لله، فما كان لله يجب أن يكون مشروعًا، فلا يقيم الشهادة لله إلا المؤمنون العدول في قولهم وفعلهم، وهذا يقتضي أن تكون الشهادة على أمر مشروع، وإلا كانت باطلة، ويدل على ذلك ما رواه النُّعمان بن بَشيرٍ -رَضِيَ اللهُ عنهما- قال: “تصَدَّق عليَّ أبي ببَعضِ مالِه، فقالت أمِّي عَمْرةُ بنتُ رَواحةَ: لا أرضى حتى تُشهِدَ رَسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فانطلَقَ أبي إلى رَسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-؛ لِيُشهِدَ على صَدَقتي، فقال له رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: أفعَلْتَ هذا بوَلَدِك كُلِّهم؟ قال: لا. قال: اتَّقوا اللهَ واعدِلوا في أولادِكم. فرجَعَ أبي، فرَدَّ تلك الصَّدَقةَ )) وفي لفظٍ: ((فلا تُشهِدْني إذَن؛ فإنِّي لا أشهَدُ على جَورٍ))([1]).
هذا في عموم المسألة، أما عن السؤال عن الشهادة على الربا، فإن الله حرمه في قوله -جل في علاه-: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275]، وقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ، فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: 278-279]، ففي هذا تعظيم لأمر الربا، وما يجب على العباد من تركه، وكما عظم الله أمر الربا عظمه رسوله -عليه الصلاة والسلام- في حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: ” الربا ثلاثةٌ وسبعونَ بابًا، وأيسرُها مثلُ أنْ ينكِحَ الرجلُ أمَّهُ، و إِنَّ أربى الرِّبا عرضُ الرجلِ المسلمِ”([2]). وقد حذر -عليه الصلاة والسلام- من الربا في حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-: ” لعَنَ رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وَقالَ: هُمْ سَوَاءٌ”([3]).
فالحاصل جوابًا عن السؤال، تحريم الشهادة على القرض الربوي جزء من هذا التحريم.
والله -تعالى- أعلم.
[1] أخرجه البخاري (2587)، ومسلم (1623).
[2] أخرجه ابن ماجة (2275 )، وابن المنذر في ((الأوسط)) (8013 )، والحاكم (2259 )، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (5131 ) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم(3539).
[3] أخرجه مسلم (1598).