الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فهذا السؤال غالبًا ما يتكرر حول الاستفادة من قيمة الأضاحي، للجمعيات الخيرية، أو للأفراد لمواجهة حاجاتهم.
والجواب: أن الأضحية سنة مؤكدة، يذبحها المسلم اتباعًا لملة أبي الأنبياء إبراهيم -عليه السلام-، فقد ابتلاه الله بذبح ابنه؛ ليعلم -وهو العليم بما كان وما يكون- مدى قوة إيمانهما، فاستجابا لأمر ربهما، ففداه الله بقوله -عز ذكره- : ﴿فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ*قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ *وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ﴾ (الصافات:103-107).
وقد أمر -سبحانه- نبيه ورسوله محمدًا -صلى الله عليه وسلم- باتباع ملته بقوله -جل في علاه-: ﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۖ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ (النحل:123)، وقد فعل ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فذبح كبشين، أحدهما عنه وعن أهل بيته، والآخر عن أمته لمن شَهِدَ للَّهِ بالتَّوحيدِ، وشَهِدَ لَهُ بالبلاغِ([1]).
وفي ذبح الأضـحية فضل عظيم، وقد بين ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في عدة أحاديث، منها: حديث ابن عباس -رضي الله- عنهما : «ما من نفقةٍ بعد صلة الرحم أعظمَ عند الله من إهراق الدم»([2])، وقوله -عليه الصلاة والسلام- في حديث أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: «ما عَمِلَ آدَمِيٌّ من عمل يوم النحر أَحَبَّ إلى الله من إهراق الدم، إنه ليأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع من الأرض، فطيبوا بها نفسًا»([3]).
هذا في فضل ذبحها، وهو فضل عظيم، يرجو المسلم حين ذبحها ابتغاء الأجر من ربه، وهو أهم وأعظم ما يرجو منه.
ولهذا الذبح عدة آثار:
منها: أن الحي يشعر ببـر والديه وأهله، وما ستكون عليه حاله بعد وفاته، وما يرجوه من ذريته أن يفعلوا منه ما فعله مع أهله.
ومن هذه الآثار: أن الميت سوف ينتفع من هذا الذبح؛ لأن ذبح هذه الأضـحية بمثابة الصدقة عنه بعد انقطاع عمله، وما فيها من المناسبة للدعاء له.
ومن هذه الآثار: أنها شعيرة من شعائر الله، ومن المهم الحفاظ على هذه الشعيرة، قال ربنا -تقدس اسمه-: ﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ ۖ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ ۖ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتـَرَّ ۚ كَذَٰلِكَ سَـخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ* لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ منكم﴾ (الحج:36-37)، ومن التقوى: تعظيم شعائر الله؛ لقوله-عز وجل-: ﴿وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ (الحج:32).
ومن هذه الآثار: أن الوصية بالأضـحية تنقل من جيل إلى جيل، فيستمر أجر المُوصِي وأجر المُوصَى، فينعم كل منهما بهذه الصدقة.
هذا في عموم المسألة، أما عن سؤال الأخت فإن صرف قيمة الأضـحية للجمعيات مجرد فعل عارض، لا تتوافر فيه الآثار التـي تتوافر للأضـحية، فما يحصل عليه المحتاج من الجمعية لا يفيده إلا قليلًا، خلاف ما في الأضحية من المنافع والآثار الحسنة .
فالحاصل: أن في التبـرع للجمعيات الخيرية فضلًا كبيـرًا لمساعدة الفقراء والمحاويج من المسلمين، وفي الأضـحية شعارًا وآثارًا كثيرة ينتفع بها الأحياء والأموات، وفيها تستمر العلاقة والبر والصلة بين المضحِّي والمضحَّى له، فذبحها أعظم أجرًا من التصدق بقيمتها .
والله -تعالى- أعلم.
[1] – أخرجه الإمام أحمد في مسنده برقم (27190)، والمستدرك برقم: (3478)، وقال: “هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه”.
[2] – ذكره الهندي في كنزالعمال برقم (12239)، والسيوطي في الدر المنثور ج 4 ص 361، حسنه ابن عبد البر في التمهيد، (٢٣/١٩٢).
[3] – أخرجه الترمذي برقم (1493)، حسنه السيوطي في الجامع الصغير، (٧٩٣٠).