الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فالحديث عن هذه المسألة حديث عام، لا يتعلق بشكل هذه المسلسلات أو جهتها، وإنما يتعلق بموضوعها، وهي بهذا قسمان:
الأول: المسلسلات التي هدفها الترويح عن النفس: وهذه المسلسلات يؤديها الرجال في الغالب، والهدف منها-كما يقال-التخفيف من الهموم ووطأة الحياة ومشكلاتها، ويختلط في أدائها الجد والهزل، وينبني القول بجوازها ومشاهدتها على ماورد في حديث حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ -رضي الله عنه-قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ الله-صلى الله عليه وسلم-، فَوَعَظَنَا، فَذَكَّرَ النَّارَ، قَالَ: ثُمَّ جِئْتُ إِلَى الْبَيْتِ، فَضَاحَكْتُ الصِّبْيَانَ، وَلَاعَبْتُ الْمَرْأَةَ، قَالَ: فَخَرَجْتُ، فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: وَأَنَا قَدْ فَعَلْتُ مِثْلَ مَا تَذْكُرُ. فَلَقِينَا رَسُولَ الله فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! نَافَقَ حَنْظَلَةُ، فَقَالَ: «مَهْ»، فَحَدَّثْتُهُ بِالْحَدِيثِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَأَنَا قَدْ فَعَلْتُ مِثْلَ مَا فَعَلَ، فَقَالَ: «يَا حَنْظَلَةُ! سَاعَةً وَسَاعَةً، وَلَوْ كَانَتْ تَكُونُ قُلُوبُكُمْ كَمَا تَكُونُ عِنْدَ الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُسَلِّمَ عَلَيْكُمْ فِي الطُّرُقِ»([1]).
كما ينبني الجواز من فعله-عليه الصلاة والسلام-، فقد كان يشاهد ألعاب الفتيات الصغيرات، وكان الصحابة يحدثونه بما يُضْحِكُهُ، وعن عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ-رضي الله عنه-أَنَّ عَائِشَةَ-رضي الله عنها-قَالَتْ: “لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا عَلَى بَابِ حُجْرَتِي، وَالحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ فِي المَسْجِدِ”، وفي رواية: “رَأَيْتُ النَّبِيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وَالحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ بِحِرَابِهِمْ”([2]).
والمعنى: أن مشاهدة المسلسلات البريئة تتوافق مع طبيعة الإنسان، وحبه للترويح عن نفسه بمشاهدتها، فهذه ليس فيها حرج-إن شاء الله.
والقسم الثاني: المسلسلات المصورة القائمة على الإغراء والابتذال: وهذه يؤديها النساء في الغالب، فإذا كانت هذه المسلسلات تقوم على الإغراء والابتذال، وما يتنافى مع الأخلاق، وما يسببه ذلك من إفساد نظر المشاهد لها، فهذه تعد من اللهو الذي يُضل عن سبيل الله بغير علم، والأصل فيه قول الله-تعالى-: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا ۚ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾ (لقمان: 6).
هذا في عموم المسألة، أما عن سؤال الأخت فإن المُشاهِدَ أمين على دينه وعلى نفسه، فإذا كانت المسلسلات-أيًّا كان مسماها-تقوم على الإغراء والابتذال ومنافاة الأخلاق فهذه لا تجوز مشاهدتها.
وفي كل الأحوال يستطيع الإنسان -بحكم فطرته وعقله- أن يفرق بين ما هو مباح وما هو محرم. والله -تعالى- أعلم.
[1] رواه مسلم، كتاب التوبة، باب فضل دوام الذكر والفكر في أمور الآخرة والمراقبة، وجواز ترك ذلك، 4/2107، رقم الحديث ( 2750 ).
[2] رواه البخاري ( 455،454).