الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد، أما بعد:
فظاهر سؤالي الأخت عن الاحتفاء بمولد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مجردًا من اللهو والسرف، وحصره على صنع العشاء ليلة المولد.
والجواب أنه لا ريب في محبة الإخوة والأخوات لنبيهم ورسولهم محمد -صلى الله عليه وسلم- ومحاولتهم التقرب إلى الله بهذه المحبة. ولكن الإشكال أو السؤال عمّا إذا كانت المحبة تكون بما لم يشرعه الله ولا سنه رسوله ولا خلفاؤه أو صحابته أو العلماء الربانيون. إن عباداتنا لله -عز وجل- مقيدة بما شرعه وما جاء به نبيه ورسوله، فإذا وضعنا شرعًا من عندنا فسد الدين كما كانت حالة الأمم من قبلنا، لهذا حذر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمته من ابتداع شرع من عندها بقوله: ((مَن أَحْدَثَ في أَمْرِنَا هذا ما ليسَ فِيهِ، فَهو رَدٌّ))([1])، وقوله: ((عليكُمْ بِسُنَّتِي وسنَّةِ الخُلفاءِ المهديِّينَ الرَّاشِدينَ، تَمسَّكُوا بِها، وعَضُّوا عليْها بالنَّواجِذِ، وإيّاكُمْ ومُحدثاتِ الأُمورِ ؛ فإنَّ كلَّ مُحدَثةٍ بِدعةٌ، وكلَّ بِدعةٍ ضلالَةٌ))([2]).
إن الخوف كل الخوف أن يدخل إلى الدين ما ليس منه، فإن حدث هذا كثر المبتدعون فضلوا وأضلوا؛ ولهذا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحذر من الابتداع ويدعو إلى الاتباع بقوله: ((تركتُكم على المحجة البيضاءِ ليلِها كنهارِها لا يزيغُ عنها بعدي إلا هالِكٌ))([3]).
والاحتفاء بالمولد لم يبن على كتاب الله أو سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- أو خلفائه أو العلماء الذين اتبعوا سنته، وإنما حدث هذا في العصور التي تداعت فيها الأمم على أمة المسلمين، فكثرت الأقاويل وكثرت البدع، ومع مرور الزمان تتابعت الأقوال فأخذها العامة على أنها عبادة.
فالحاصل جوابًا عن السؤالين أن محبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا تكون بما يخالف ما شرعه الله، وما جاء به نبيه ورسوله محمد -صلى الله عليه وسلم-، بل تكون باتباعه والصلاة عليه في أوقات الصلاة وغيرها، واستذكار جهاده وغرس سيرته في النفوس دائمًا، ليس مرة في كل عام.
هذا هو الواجب؛ حفظًا لسلامة الدين وسلامة المؤمنين به.
والله -تعالى- أعلم.
([1]) أخرجه البخاري، كتاب: الصلح، باب: إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود، برقم: (2697)، (3/184)، ومسلم، كتاب: الأقضية، برقم: (1718)، (5/132).
([2]) أخرجه أبو داود، كتاب: السنة، باب: في لزوم السنة، برقم: (4607)، (7/16)، والترمذي، أبواب: العلم، باب: ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع، برقم: (2676)، (4/408)، وابن ماجه، أبواب: السنة، باب: اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين، برقم: (42)، (1/28)، وصححه الألباني في إرواء الغليل، برقم: (2455)، (8/107).
([3]) أخرجه ابن ماجه، أبواب: السنة، باب: اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين، برقم: (43)، (1/29)، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم: (4369)، (2/805).