الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد، أما بعد:
فلا شك في أن الذين يحتفون بمولد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو يسعون إلى الاحتفاء به كل عام هم محبون له، -عليه الصلاة والسلام- ويرجون الأجر من الله في هذه المحبة، ولكن السؤال عما إذا كان هذا الاحتفاء مشروعًا أم لا؟
والجواب: إن الأصل في العبادة مشروعيتها، فإن كانت مشروعة انتفع العبد بها، والعكس بالعكس.
وفي مسألة الاحتفاء بمولد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يرد نص من الكتاب أو السنة، أو من سنة الخلفاء الراشدين، أو سيرة الأئمة الأعلام، فرسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يَحْتَفِ بهذا المولد، بل إنه -عليه الصلاة والسلام- يأبى إطراءه بقوله: ((لَا تُطْرُونِي كما أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ؛ فإنَّما أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولوا: عبدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ))([1])، وقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((إذا رأَيْتُم المدَّاحينَ فاحثُوا في وجوهِهم التُّرابَ))([2]). فلو كان الاحتفاء بمولده مشروعًا لبينه لأمته، فقد أبلغ الرسالة وأدى الأمانة وأكمل الله به الدين، ولم يأت من الخلفاء الراشدين وصحابته ما يدل على مشروعية الاحتفاء، فهم أقرب الناس إليه، وكانوا يسألونه عن أمور دينهم، وقال فيهم -عليه الصلاة والسلام-: ((عليكم بسنتي وسنةِ الخلفاءِ المهديّين الراشدين، تمسّكوا بها، وعَضّوا عليها بالنواجذِ، وإياكم ومحدثاتِ الأمورِ فإنَّ كلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ))([3])، وهذا أمر باتباع سنة خلفائه، ونهي عن الابتداع؛ لما فيه من الضلال.
إن محبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واجبة وجوب عين على كل مسلم ومسلمة؛ لما فيها من الفضل العظيم في قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((مَن صلى عَلَيَّ واحدةً، صلى اللهُ عليه بها عَشْرًا))([4])، وبين أن البخيل من ذكر عنده فلم يصل عليه، في قوله: ((البخيلُ الَّذي مَن ذُكِرتُ عندَهُ فلم يصلِّ عليَّ))([5])، وكما أن محبته -عليه الصلاة والسلام- واجبة، فهذه المحبة يجب أن تكون في القلب، وذلك باستذكار سيرته وجهاده ومحبته ورأفته بأمته، وكذا طاعته فيما أمر به، واجتناب ما نهى عنه؛ لقول الله -عز وجل-: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر: 7]، وقوله -عز ذكره-: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: 63].
هذا في عموم المسألة بإيجاز، أما عن سؤال الأخت عن توزيع اللحوم على الفقراء في هذه المناسبة فهذا لا أصل له أيضًا، فإن كان هذا التوزيع على الفقراء نوعًا من الصدقة في غير هذه المناسبة فهذا فيه يؤجر صاحبه عليه، أما إذا كان لغرض المناسبة فهذا لا أصل له -كما ذكر-.
نسأل الله –عز وجل- أن تكون عبادتنا مشروعة وخالصة لوجهه الكريم.
والله -تعالى- أعلم.
([1]) أخرجه البخاري، كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: قول الله ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ﴾، برقم: (3445)، (4/167).
([2]) أخرجه مسلم، كتاب: الزهد والرقائق، برقم: (3002)، (8/228).
([3]) أخرجه أبو داود، كتاب: السنة، باب: في لزوم السنة، برقم: (4607)، (7/16)، والترمذي، أبواب: العلم، باب: ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع، برقم: (2676)، (4/408)، وابن ماجه، أبواب: السنة، باب: اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين، برقم: (42)، (1/28)، وصححه الألباني في إرواء الغليل، برقم: (2455)، (8/107).
([4]) أخرجه مسلم، كتاب: الصلاة، برقم: (408)، (2/17).
([5]) أخرجه الترمذي، أبواب: الدعوات، برقم: (3546)، (5/513)، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم: (2878)، (1/557).