سؤال من الأخت المرشدة الدينية، تقول فيه: ما حكم تلاوة الحائض للقران الكريم من الجوال أو الحفظ؟.

حكم تلاوة الحائض للقران الكريم من الجوال أو الحفظ

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد :

فقد اختلف الفقهاء-رحمهم الله-في جواز قراءة الحائض للقرآن  الكريم أو منعها، وذلك على قولين:

القول الأول: ما ذهب إليه جمهور الفقهاء  من الحنفية([1]) والشافعية في الجديد([2])، والحنابلة في رواية([3]) على تحريم قراءة القرآن حال الحيض، ولا يُستثنى من ذلك إلا ما كان على سبيل الذّكر والدّعاء، ولم يُقصد به التلاوة، كقولِ: بسم الله الرحمن الرحيم، إنا لله وإنا إليه راجعون، ربنا آتنا في الدنيا حسنة … إلخ مما ورد في القرآن من عموم الذكر.

واستدلوا على المنع بأمور، منها:

  • أنها في حكم الجنب، بجامع أن كلًّا منهما عليه الغسل، وقد ثبت من حديث علي بن أبي طالب-رضي الله عنه-أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-كان يعلمهم القرآن، وكان لا يحجزه عن القرآن إلا الجنابة”([4]).

2-  ما روي من حديث ابن عمر-رضي الله عنهما-أن النبي-صلى الله عليه وسلم-قال: «لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن»([5]).

القول الثاني: ذهب بعض أهل العلم إلى جواز قراءة الحائض للقرآن، وهو مذهب الإمام  مالك([6])، والإمام الشافعي في القديم([7])، ورواية عن الإمام أحمد([8])، والظاهرية([9])، واختار هذا الجوازَ شيخُ الإسلام ابن تيمية([10])، ورجحه الشوكاني([11]).

واستدلوا على ذلك بأمور، منها :

1- أن الأصل الجواز والحِلُّ حتى يقوم دليل على المنع، وليس هناك دليل يمنع من قراءة الحائض للقرآن، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “ليس في منع الحائض من القراءة نصوص صريحة صحيحة”، وقال: “ومعلوم أن النساء كُنَّ يَحِضْنَ على عهد رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، ولم يكنْ يَنْهَاهُنَّ عن قراءة القرآن، كما لم يكن ينهاهن عن الذكر والدعاء”.

2- أن الله-تعالى-أمر بتلاوة القرآن، وأثنى على تالِيهِ، ووعده بجزيل الثواب، وعظيم الجزاء، فلا يمنع من ذلك إلا من ثبت في حقه الدليل، وليس هناك ما يمنع الحائض من القراءة كما تقدم.

3- أن قياس الحائض على الجنب في المنع من قراءة القرآن قياس مع الفارق؛ لأن الجنب باختياره أن يزيل هذا المانع بالغسل، بخلاف الحائض، وكذلك فإن الحيض قد تطول مدته غالبًا، بخلاف الجنب، فإنه مأمور بالإغتسال عند حضور وقت الصلاة.

4- أن في منع الحائض من القراءة تفويتًا للأجر عليها، وربما تعرضت لنسيان شيء من القرآن، أو احتاجت إلى القراءة حال التعليم أو التعلم.

قلت: إن الطهارة أساس في حياة المسلم، فهو يتطهر للصلاة المفروضة، وللنوافل المسنونة، ويتطهر للحج والعمرة، ويتطهر لدخول بيت الله الحرام ومسجد رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، ويتطهر من غسل الميت، والمرأة تتطهر من حيضها، والنفساء تتطهر بعد نهاية نفاسها، فتَطَهُّرُ المسلم لا ينفك عنه في لباسه وفي شؤونه، فقد أمر الله نبيه ورسوله محمدًا-صلى الله عليه وسلم-، وهو أمر لأمته-أن يطهر ثيابه في قوله-جل في علاه-: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ (المدثر: 4)، وأثنى-عز وجل-على أهل قباء؛ لتطهرهم في قوله: ﴿لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ ۚ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا ۚ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾ (التوبة: 108)، فالطهارة لا تنفك عن المسلم، ذكرا كان أم أنثى.

ومن الاستدلال على منع الحائض من قراءة القرآن الكريم: أن الله-عز وجل-قال: ﴿لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾ (الواقعة: 79)، والحائض لا تعد طاهرة حتى تنتهي حيضتها، والحائض لا تدخل المسجد، مَثَلُهَا في ذلك مَثَلُ الجُنُبِ، والأصل في هذا فيما روته عائشة-رضي الله عنها-، فقالت: جاء رسولُ اللهِ-صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلَّمَ-ووجوهُ بيوتِ أصحابِهِ شارعةٌ في المسجدِ، فقال: «وجِّهوا هذهِ البيوتَ عنِ المسجدِ»، ثم دخل رسولُ اللهِ-صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلَّمَ-، ولم يصنعِ القومُ شيئًا رجاءَ أن ينزل فيهمْ رُخصةٌ، فخرج إليهم، فقالَ: «وجِّهوا هذه البيوتَ عن المسجدِ، فإني لا أُحِلُّ المسجدَ لحائضٍ ولا جنُبٍ»([12]).

فلما كان للمسجد حرمة في منع الحائض من دخوله فأولى من ذلك قراءة القران الكريم.

وإذا كان من المُسَلَّمِ به مَنْعُ الجنب من القران الكريم-وهو ما يقول به أصحاب القول الثاني-فإنه لا فرق بين الحائض والجنب في عدم الطهارة  مدة  الجنابة والحيض.

ومن الاستدلال على المنع: أن قراءة الحائض للقران الكريم عن ظهر قلب أنها قد تنسى آية، فتبحث عنها في المصحف بعد أن تكون قد نسيت عدم طهارتها، فتمس المصحف.

ومن أسباب المنع: أن مدة الحيض لا تتعدى في الغالب سبعة أيام أو عشرة، فلا ضير عليها أن تنتظر  طهارتها.

ومن أهم أسباب المنع: وجوب تكريم القران، بحيث لا يمسه إلا طاهر، فهو كلام الله، أعظم كلام، وأقدس بيان، فلا يمسه ولا يتلوه إلا طاهر.

هذا في عموم المسألة، أما عن السؤال فمما سبق ذكره يتبين أن للفقهاء قولين مختلفين:

القول الأول: إنه لا يجوز للحائض قراءة القرآن حتى تطهر، وأرى أن هذا هو الراجح؛ لكثرة أدلته وقوتها.

والقول الثاني: إنه يجوز للحائض قراءة  القرآن؛ للأسباب التي ورد ذكرها. والله-تعالى-أعلم.

[1] – حاشية ابن عابدين 1/159.

[2] – المجموع  للنووي 1/356.

[3] – كشاف القناع 1/147، والمغني 3/461.

[4] – أخرجه الترمذي (146)، وأحمد (1/84)، وابن خزيمة (1/104)، قال الترمذي: “حديث حسن صحيح”، وقال الحافظ ابن حجر: “والحق أنه من قبيل الحسن يصلح للحجة”.

[5] – أخرجه الترمذي برقم (131)، وابن ماجه برقم (595)، وهو حديث ضعيف؛ لأنه من رواية إسماعيل بن عياش عن الحجازيين، وروايته عنهم ضعيفة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية (21/460): “وهو حديث ضعيف باتفاق أهل المعرفة بالحديث”ا.هـ . وينظر : نصب الراية 1/195، والتلخيص الحبير 1/183.

[6] – الذخيرة للقرافي (1/379)، والقوانين الفقهية لابن جزي (ص: 25)

[7] – المجموع  للنووي 1/356، وروضة الطالبين للنووي (1/86).

[8] – الاختيارات الفقهية لابن تيمية (ص: 27)، والإنصاف للمرداوي (1/249).

[9] – المحلى (1/94).

[10] – مجموع الفتاوى (26/179).

[11] – نيل الأوطار 1/226.

[12] – أخرجه أبو داود برقم (232)، وابن خزيمة برقم (1327)، والبيهقي (4495)، صححه الشوكاني في نيل الأوطار، (١/٢٨٧).