الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد، و آله وصحابته، ومن اقتفى أثرهم إلى يوم الدين، أما بعد:
فظاهر سؤال الأخت أن امرأة ترتكب الفواحش، وقد نصحتها وعلمتها عن خطأ فعلها، ولكنها أي: هذه المرأة تعتقد أن ربها لن يغفر لها.
الفاحشة في اللغة: الفعلة القبيحة، والقبيح من القول والفعل، وجمعها فواحش. يقال: أفحش عليه في المنطق، أي قال الفحش، ورجل فاحش أي: ذو فحش، وفي الحديث: إن الله لا يحب الفحش ولا التفحش([1]).
وكل ما يشتد قبحه من الذنوب والمعاصي فهو فاحشة.
وتطلق الفاحشة بإطلاقات كثيرة، أهمها: الزنا – كما قال ابن الأثير – كما تطلق بمعنى القبيح والتعدي في القول والفعل، وبمعنى الكثرة والزيادة، وبمعنى البخل.
ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي([2]).
والجواب عن السؤال من وجهين:
الوجه الأول: أن الله -عز وجل- حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن؛ لما فيها من التعدي على أوامر الله وأوامر رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- ولما فيها من هدم الأسس التي تقوم عليها الأخلاق، والأصل في هذا أمر الله لنبيه ورسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- أن يقول لأمته إن الفواحش محرمة بقوله -عز ذكره-: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ) (الأعراف:33)، وأسباب ارتكاب الفواحش كثيرة منها: البعد عن الله وكتابه، واتباع الشيطان في ضلاله و فيما يزينه للعبد من الموبقات، والتهاون في ارتكاب المعاصي والتساهل فيها، وقد حذر الله -عز وجل- عباده من عداوة الشيطان وضلاله بقوله -عز ذكره-: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) (فاطر:6).
الوجه الثاني: يأس المرأة المشار إليها من مغفرة الله لها، وهذا اليأس خطأ وإثم؛ فالله -عز وجل- أمر عباده بالتوبة عما يرتكبونه من أخطاء، فقال -عز ذكره-: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا) (النساء:27)، وقال -تقدس اسمه-: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (النور:31)، وقال -جل في علاه-: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) (الشورى:25)، هذا في الكتاب.
أما في سنة رسوله الله -صلى الله عليه وسلم-: فقال -عليه الصلاة والسلام-: (إنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- يَبْسُطُ يَدَهُ باللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِن مَغْرِبِهَا)([3]).
وأما يأس المرأة من مغفرة الله لها -كما أشير إليه في السؤال- فهذا خطأ وإثم؛ فالله يعلم (و هو العليم لما كان وما سيكون لو كان كيف يكون) ما توسوس به نفس عبده من الخوف عندما يرتكب الفاحشة أو يتذكر فعله لها، فقال -جل ذكره-: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر:53). وقال تعالى: (وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (يوسف:87). هذا في الكتاب.
أما في سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: (التَّائبُ من الذَّنبِ كمن لا ذنبَ له)([4])، ولما جاء أحد الأعراب إلى رسول الله ليسلم، وعلمه -عليه الصلاة والسلام- أسس الإسلام، قال الرجل: أرأيتَ رجلًا عملَ الذُّنوبَ كلَّها فلم يترُكْ منها شيئًا وَهوَ مع ذلِكَ لم يترُكْ حاجَّةً ولا داجَّةً إلَّا أتاها، فَهَل لذلِكَ من توبةٍ؟ قالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أليسَ قد أسلَمتَ؟ قالَ: أمَّا أَنا فأشهَدُ أن لا إلَهَ إلَّا اللَّهَ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ وأنَّ محمَّدًا رسولُ اللَّهِ، قالَ: نعَم تَفعلُ الخيراتِ وتترُكَ السَّيِّئاتِ فيَّجعلُهنَّ اللَّهُ لَكَ حسَناتٍ كُلَّهُنَّ، قالَ: وغدَراتي وفجراتي؟ قالَ: نعَم، قالَ: اللَّهُ أَكْبرُ، فما زالَ يُكَبِّرُ حتَّى توارَى([5]).
هذا في عموم المسألة، أما نصح الأخت السائلة للمرأة فعليها أن تعاود نصحها، وتذكرها بأن الله -عز وجل- رحيم بعباده يرحمهم إذا تابوا وأنابوا وأصلحوا، وأنه يغفر ذنوب عباده دقها وجلها، وكما يجب على الأخت أن تذكرها بأن شروط التوبة ثلاثة: الأول: ترك ارتكاب الفاحشة، ثانيًا: الندم على فعلها، والشرط الثالث: العزم على عدم العودة إليها، فإذا حققت هذه الشروط فإن الله قد وعد -ووعده الحق- بالتوبة على عبده في قوله -عز وجل-: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَٰئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) (آل عمران:135-136)، وقوله -عز ذكره-: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ) (طه:82).
والله –تعالى- أعلم.
[1] – أخرجه أبو داود برقم (4792)، صحح إسناده الألباني في السلسلة الصحيحة، (٢/٣٠٦)..
[2] – لسان العرب، والمصباح المنير، والمعجم الوسيط، وغريب القرآن للأصفهاني، والتعريفات للجرجاني، والمغرب في ترتيب المعرب مادة: فحش.
[3] – أخرجه مسلم برقم: (2759).
[4] – أخرجه ابن ماجه برقم: (4250)، حسنه الألباني في صحيح ابن ماجه، (٣٤٤٦).
[5] – ذكره ابن حجر العسقلاني في الأمالي المطلقة برقم: (144).