سؤال من الأخت الدكتورة “ف.ة” من الولايات المتحدة الأمريكية، تقول فيه: هل يجوز لنا قبول المساعدات المادية التي تقدمها لنا الكنيسة، علما بأني تلقيت بعض مساعداتها من المواد الغذائية والمبالغ النقدية مرفقة بنسخ من الإنجيل “العهد الجديد”؟.

حكم الأكل من طعام أهل الكتاب

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد، أما بعد:

فإن الله -عز وجل- أحل للمسلم الأكل من طعام أهل الكتاب، وذلك في قوله تعالى : ﴿الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۖ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ ۖ﴾ (المائدة: 5)، ولكن هذا الحل مقيد بما هو محرم أصلا على المسلم في دينه كما هو الحال في لحم الخنزير وشحومه ومشتقاته، وكذا الخمر ومشتقاتها، وكل ما هو محرم بالنص في الكتاب والسنة، فلحم الخنزير وشحومه محرمة على المسلم؛ لقوله-جل في علاه-: ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ۖ﴾ (البقرة:173)، وقوله-تقدس اسمه-في تحريم الخمر: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (المائدة:90). هذا في الكتاب.

أما في السنة فعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-قال: “إنَّ رَجُلًا أَهْدَى لِرَسولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- رَاوِيَةَ خَمْرٍ، فَقالَ له رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ-: «هلْ عَلِمْتَ أنَّ اللَّهَ قدْ حَرَّمَهَا»؟، قالَ: لَا، فَسَارَّ إنْسَانًا، فَقالَ له رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ-: «بِمَ سَارَرْتَهُ»؟، فَقالَ: أَمَرْتُهُ ببَيْعِهَا، فَقالَ: «إنَّ الذي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا»، قالَ: فَفَتَحَ المَزَادَةَ حتَّى ذَهَبَ ما فِيهَا”([1]).

وينبني على هذا أن طعام أهل الكتاب من اللحوم والنباتات والخضروات الطبيعية والمصنعة، وكل ما هو في حكم ذلك مباح إذا كان هذ الطعام يخلو مما حرم الله على المسلم في كتابه، أو على لسان رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم-.

هذا في عموم المسألة: أما عن سؤال الأخت فالمستنتَجُ منه أن بعض المسلمين الذين جاؤوا إلى الغرب بسبب ما حل في بلادهم من الظلم تلقوا هدايا ومساعدات عينية ومادية، فإذا كان الأمر كذلك فقبولهم لهذه  الهدايا جائز،  فقد قبل المسلمون الأوائل هدايا من أهل الحبشة أيام  لجوئهم إليها، وهذا القبول من باب الاضطرار لحفظ النفس التي أمر الله بحفظها، والضرورات تقدر بقدرها، وهو ما بينه الله -عز وجل- في قوله: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ ۙ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ (المائدة: 3)، والمعنى: أن حِلَّ طعام أهل الكتاب مقيَّدٌ بما لم يكن محرما في دين الإسلام.

وخلاصة القول: أن الإعانات وما في حكمها من الهدايا مما يجوز قبوله إذا كانت غير مشروطة فيما يتعلق بدين المتلقي لها، أما إذا كان فيها ما يمس عقيدته بأي قول وفعل فلا يجوز قبولها.

وفي كل الأحوال على المسلم حفظ دينه وما هو مكلف به؛ لأنه سوف يُسأل عن كل قول أو عمل قاله أو عمله في الدنيا.

والله -تعالى- أعلم.

 

[1] رواه مسلم، رقمه (1579).