سؤال من الأخت الدرة المصونة من الجزائر، يقول: هل الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – واجبة أم سنة؟

هل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - واجبة أم سنة

   الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

   فالأصل في الصلاة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقول الله -عز وجل- : (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56]، وفي هذا بيان من الله أنه -عز وجل-  وملائكته يصلون على نبيه ورسوله محمد، وهذا دليل على شرفه وعلو قدره وسمو منزلته ومكانته عنده وعند ملائكته؛ فصلاة ربه عليه ذكره في ملائكته وعند خلقه؛ كما قال -عز وجل- : (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) (الشرح: ٤)، وأما صلاة الملائكة عليه فالدعاء والاستغفار له، وأما قوله -عز وجل- : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) فهذا أمر للمسلمين أن يصلوا على نبيهم؛ اقتداءً بربهم وملائكته، وصلاة المؤمنين عليه محبة له على تبليغه رسالة ربهم إليهم، ودعوتهم إلى إتباع الطريق المستقيم في الدنيا، وشفاعته لهم في الآخرة.

هذا في الكتاب، أما في السنة، فقد روى أبو طلحة أنَّ رسولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – جاءَ ذاتَ يومٍ والبُشرَى في وجهِهِ، فقلنا: إنَّا لنرَى البُشرى في وجهِكَ، قال إنَّهُ أتاني الملَكُ، فقال: يا محمَّدُ، إنَّ ربَّكَ -عز وجل- يقولُ أما يرضيكَ أنَّهُ لا يصلِّي عليكَ أحدٌ إلَّا صلَّيتُ عليهِ عشرًا، ولا يسلِّمُ عليكَ أحدٌ إلَّا سلَّمتُ عليهِ عشرًا([1])، ومن بخل أن يصلي عليه فقد بخل على نفسه([2])، وقوله -عليه الصلاة والسلام-: (البخيل من ذكرت عنده ولم يصل عليّ )[3])، وقد صعِد -عليه الصلاة والسلام- المنبرَ ، فقال : آمين، آمين، آمين، فلمَّا نزل سُئل عن ذلك ، فقال: أتاني جبريلُ ، فقال: رغِم أنفُ امرئ أدرك رمضانَ فلم يُغفرْ له، قُلْ: آمين، فقلتُ: آمين،  ورغِم أنفُ امرئٍ ذُكِرتَ عنده فلم يُصلِّ عليك فمات، فدخل النار ؛ فأبعده الله، قُلْ: آمين، فقلتُ: آمين )([4]).

وأما الإجماع: فقد أجمعت الأمة على الصلاة على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في السفر والحضر، وقد اختلف العلماء في حال وجوبها عندما يمر ذكره، فرأى بعضهم أنها واجبة، ومنهم من رأى أنها فرض في العمر مرة، وفي كل حين من واجبات السنن المؤكدة التي لا يسع تركها ولا يغفل عنها إلا من لا خير فيه([5]).

  والصواب -والله أعلم- أن الصلاة على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – واجبة وجوب عين على المسلم إذا مر ذكره، ذلك أن الله -عز وجل- وملائكته يصلون عليه، فالواجب على المسلم أن يقتدي بربه وملائكته؛ فيصلي عليه كما يصلون عليه، واستحقاقه للصلاة عليه من المؤمنين مما يقتضيه الخلق والعقل، فمن صفاته وعلاقته بهم أنه بر  ورحيم بهم؛ كما أخبر  الله -عز وجل- عنه بقوله: (حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ)(التوبة:128). ومن صفاته أنه مرسل من ربه؛ رحمة لهم كما قال -عز وجل- : (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) (الأنبياء:107).  فهاتان الصفتان مما يوجب على المسلم الصلاة عليه، والدعاء له، واتباع أوامره، واجتناب نواهيه.

     أما كيفية الصلاة عليه، فقد اختلف فيها بعض الروايات، ولعل أصح ما فيها ما رواه أبو مسعود الأنصاري -رضي الله عنه- بقوله: أتانا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ونحن في مجلس سعد بن عبادة، فقال له بشير بن سعد: أمرنا الله – تعالى- أن نصلي عليك يا رسول الله، فكيف نصلي عليك؟ قال: فسكت رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، حتى تمنينا أنه لم يسأله، ثم قال: (قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، والسلام كما قد علمتم)([6]). فهذه الصلاة تكون في التشهد الأخير من فروض ونوافل الصلاة.

    فالحاصل: أن الصلاة على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – واجبة وجوب عين عندما يمر ذكره -عليه الصلاة والسلام- وعندما يجلس المصلي في التشهد الأخير في صلاته فرضًا أو نفلًا . والله – تعالى- أعلم.

[1]– صحيح سنن النسائي للألباني رقمه( 1294).

[2]– الترغيب والترهيب: (2: 332)، رقم: (2601)، قال المناوي: (الحارث) بن أبي أسامة، وكذا الديلمي (عن عوف بن مالك)، وفيه رجل مجهول وآخر مضعف، رواه ابن عساكر عن أبي ذر بسند ضعيف أيضًا؛ يُنْظَر: فيض القدير: (2: 404)، رقم: (2156).

[3]– أخرجه الترمذي (3546)، وأحمد (1736)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (8100).

[4]– أخرجه البزار (4277)، والطبراني (2/244) (2022)، والشجري في ((ترتيب الأمالي)) (1365). قال العلامة الألباني -رحمه الله-: (حسن صحيح / صحيح الترغيب:1679 ) وقال المحدث مقبل الوادي : (حسن يرتقي إلى الصحيح لغيره / الصحيح المسند : 1298) .

[5] – الجامع لأحكام القرآن للإمام القرطبي  ج 14 ص232-233

[6] – أخرجه مسلم برقم (405).