سؤال من الأخت ” التقوى خير زاد ” من الجزائر تقول: زوجي إنسان شكاك، ولديه وسواس وسوء الظن المستمر، فأحيانا أكذب عليه، درءا للفتنة، أو تفكك الأسرة فهل أنا آثمة؟

الكذب على الزوج درءا للفتنة أو تفكك الأسرة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد، أما بعد:

فإن أمر الكذب أمر عظيم فقد حرمه الله على عباده وفي هذا قال عز وجل (إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ) (النحل:105) وقال عز وجل (إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (النحل:116-117)، وفيه قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (عليكم بالصِّدق، فإنَّ الصِّدق يهدي إلى البرِّ، وإنَّ البرَّ يهدي إلى الجنَّة، وما يزال الرَّجل يصدق، ويتحرَّى الصِّدق حتى يُكْتَب عند الله صدِّيقًا، وإيَّاكم والكذب، فإنَّ الكذب يهدي إلى الفُجُور، وإنَّ الفُجُور يهدي إلى النَّار، وما يزال الرَّجل يكذب، ويتحرَّى الكذب حتى يُكْتَب عند الله كذَّابًا)([1])، وقال جل في علاه: (وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ) (الجاثية:7).

وقال عليه الصلاة والسلام: (آيةُ المُنافِقِ ثلاثٌ: إذا حدَّثَ كذَبَ، وإذا وعَدَ أخلَفَ، وإذا ائْتُمِنَ خان)([2])، والآيات والأحاديث في التحذير من الكذب كثيرة، فالكذب في عمومه من وساوس الشيطان وأعوانه ليجعل الكاذب من أصحابه وأتباعه.

ومع أن الكذب بهذا القدر من التحريم إلا أن من الأصل ما يستثنى منه لمصلحة من المصالح العامة والخاصة، فمن المصلحة العامة الكذب في الحرب تعزيزا للمحاربين المؤمنين وإضعافا للأعداء المحاربين ومن المصالح العامة أيضا إصلاح الرجل بين المتخاصمين رغبة في رحمتهم من العداوة والبغضاء فيما بينهم فيكذب المصلح على هذا وعلى ذاك، طمعا في صلحهم، فهذا نوع من الاستثناء من الأصل، وأما المصالح الخاصة فيكذب الرجل على زوجته فيما يتعلق بشؤون أسرته فيكذب عليها مثلا ضعف قدرته في الإنفاق على البيت إذا خشي من إسرافها في البيت، وقد تكذب الزوجة على زوجها بأن نفقته عليها وعلى أولادها غير كافية، إذا خشيت من بخله عليهم وهكذا، فكل ما يتعلق بإصلاح الأسرة ورعايتها يباح الكذب فيه استثناء من أصل التحريم. والأصل فيه قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما روته أم كلثوم بنت عقبة -رضي الله عنها- (ليس الكذَّابُ الذي يُصْلِحُ بينَ النَّاسِ فيقولُ خَيرًا، أو يَنْمِي خَيرًا، قالتْ: ولم أسمَعْهُ يُرَخِّصُ في شيءٍ ممَّا يقولُ النَّاسُ مِنَ الكَذِبِ إلَّا في ثلاثٍ: الإصلاحِ بينَ النَّاسِ، وحديثِ الرَّجُلِ امرأتَهُ، وحديثِ المرأةِ زَوْجَها)([3]).

هذا في عموم المسألة: أما عن السؤال فيجوز استثناء من الأصل حديث أو كذب المرأة على زوجها خاصة فيما يتعلق بتأليف الأسرة وسلامة البيت ورعاية الأولاد، فهذه الأمور جديرة بالرعاية، فكل ما ينفع هذه الأسرة، فلا حرج في الكذب على الزوج من أجلها.

والله تعالى أعلم.

 

[1] -أخرجه البخاري برقم: (6094)، ومسلم برقم: (2607).

[2] – أخرجه البخاري برقم: (33).

[3] – أخرجه مسلم برقم: (2605) والبخاري مختصرا برقم: (2692).