الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيه ورسوله الأمين، أما بعد:
فإن الحج ركن من أركان الإسلام، فرضه الله على المسلم إذا كان يستطيعه، والأصل فيه قول الله -عز وجل-: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا }[آل عمران: 97]، وقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: بني الإسلام على خمس.. ومنها الحج إلى بيته الحرام )([1])، وقوله -عليه الصلاة والسلام- (أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج، فحجوا)([2])، والاستطاعة المنصوص عليها في كتاب الله الزاد والراحلة، فمن ملك مالًا يسد به حاجته أيام الحج، ومن ملك راحلة تنقله إلى بيت الله الحرام في ذهابه وإيابه يعد مكلفًا بالحج، ولا يسقط عنه إلا لعذر آخر يمنعه من القيام به، كالكبر أو المرض أو أحد الموانع الشرعية الأخرى.
والأخت في السؤال أم لأيتام قصر، ولهم مال وتسأل عما إذا كان يجوز لها الحج من هذا المال. والمفترض هنا أنها ولية لهم طوال مدة قصورهم، ومن شروط الولاية أن تكون راعية لهم في أنفسهم وأموالهم، وهؤلاء الأيتام لا يزالون قصّرًا يحتاجون إلى مالهم حتى يبلغوا سن الرشد، ومالهم قد لا يكفيهم إلا هذه المدة قبل الرشد، ولما كانت أمهم أمينة على مالهم -ومن شروط الولاية تحقق الأمانة- فالواجب عليها أن تنفق عليهم من مالهم حتى يبلغوا سن الرشد، وحينئذ يكون لها الحق أن تحج من مالهم -وبإذنهم- إذا كان قد بقي منه بقية؛ لأنها حينئذ تكون شريكة فيه، كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه جابر بن عبدالله -رضي الله عنهما- (أنت ومالك لأبيك)([3]).
والحاصل أنه ليس للأم الحج من مال أولادها الأيتام القصر؛ لأن الحج لمن يستطيع إليه سبيلًا، وهي هنا ليست مستطيعة فلا يلزمها إذا لم يكن لها غير هذا المال.
والله تعالى أعلم.
[1] – أخرجه البخاري برقم (8).
[2] – أخرجه مسلم (1337).
[3] – أخرجه ابن ماجه برقم (1292)، صححه الألباني في صحيح ابن ماجه، (١٨٦٩).