سؤال من الأخت أ.ش. من الجزائر، تتحدث فيه عن عرف عند الناس يقولون: إن طلب الملح من عند الجار ليس بالأمر الخير، فهل طلب الملح من الجار ليلًا في حالة ضرورة قصوى يعد أمرًا مشينًا؟ وهل هو عرف خارج عن الدين؟ مع العلم أن النية صادقة مع الله -عز وجل- وهذا الجار قد خيبنا لما طلب منه الملح ليلًا، ونحن في ضرورة، وعندنا ضيوف، والله شاهد على ما أقول.

العرف والعلاقة بين الجيران

   الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

    فظاهر السؤال أن العرف بين الناس في مكان الأخت السائلة يقضي أن طلب الجار ملحًا من جاره ليس بالأمر الخير، ولما طلب من الجار  ملحًا للضرورة أبى.

    والجواب أن من الأعراف ما هو غريب، ولكن الناس إذا ألفوا عرفًا أصبح وكأنه لزام عليهم، ولو كان هذا العرف لا يتفق مع القواعد والأخلاق المأثورة، ومسألة الجوار من هذه القواعد، قال الله -عز وجل- : (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ)(النساء:36). فجعل الله بهذا حقًا خلقيًّا بين الجار وجاره، وأكد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذا الحق بقوله : (ما زال يوصيني جبريل بالجار، حتى ظننت أنه سيورثه)([1]). وقد حرم -عليه الصلاة والسلام- التعرض للجار بالأذى حيث قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- : قال رجل: يا رسول الله، أي الذنب أكبر عند الله؟ قال: (أن تدعو لله ندًا وهو خلقك)، قال: ثم أي؟ قال: (ثم أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك) قال: ثم أي؟ قال: (ثم أن تزاني بحليلة جارك)، فأنزل الله -عز وجل- تصديقها: (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثامًا) (الفرقان: 68)([2]). وكان -عليه الصلاة والسلام- المثل الأعلى والقدوة الحسنة في الوصية بالجار.

  هذا في عموم المسألة، أما عن سؤال الأخت، فكان الأولى بجارهم أن يحقق لهم طلبهم؛ لما في ذلك من الأجر له، خاصة وأن العرف المتداول في هذا الأمر يعد خاطئًا ومخالفًا لأمر الله، وأمر رسوله، في الإحسان إلى الجار، و إيتائه حقه من المحبة والعلاقة الحسنة .

                                        والله – تعالى- أعلم .

[1] – أخرجه البخاري برقم : (6014).

[2] – أخرجه البخاري برقم : (6861).