سؤال من الأخت” أ.د ” من الجزائر تقول: هل يجوز الإنفاق على المريض المحتاج من الأموال الربوية بنية التخلص من الكسب غير المشروع ومن الأموال المحرمة التي مصدرها فؤائد البنوك؟

الإنفاق على الفقير والمريض من المال الربوي

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد، أما بعد:

فأمر الربا أمر عظيم، وقد حرمه الله على عباده وأمرهم بتركه، وأباح لهم البيع بقوله جل في علاه: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ۚ} [البقرة: 275]، والمسلم بهذا مأمور أن يكون مطعمه حلال ومشربه حلال وملبسه حلال، والربا سحت عاقبته الخزي في الدنيا والعذاب في الآخرة، وقد حذر الله أكلة السحت بقوله تعالى: {أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ، سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} [المائدة: 41-42].

وعلى العبد أن يتعفف عن المال الحرام أيا كانت صفته، فيستغني بربه لقضاء حاجته، وقد مدح الله الذين يتعففون بقوله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: 273]، وقد حث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على التعفف والاستغناء بقوله فيما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: ” مَن يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، ومَن يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ”([1]).

هذا في عموم المسألة، أما عن السؤال فإذا لم يكن للمريض ما ينفق منه على نفسه ولم يكن له ولدٌ أو قريبٌ ينفق عليه، ولم يكن له كذلك مصدرٌ لرزقه، كما هو الحال فيما تقوم الجمعيات الخيرية، فحينئذ يكون الأمر أمر اضطرار يباح لحفظ النفس؛ لأن هذا الحفظ من الضرورات الشرعية، وفي حال الاضطرار قد أباح الله للمضطر الأكل مما حرم عليه بقوله تقدس اسمه: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ۖ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [البقرة: 173].

فالحاصل إذا كان المشار إليه في السؤال مريضا وفقيرا لا يستطيع تأمين حاجته من الأكل والشرب، ولم يكن له من يساعده على ذلك أبيح له أن يأكل مما حرم الله عليه إلى أن يوسع الله عليه رزقه.

والله تعالى أعلم

 

[1] أخرجه البخاري (1469).