الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فظاهر سؤال الأخت عن قبول صيام المتبرجات وغير الملتزمات بالحجاب الشرعي، والجواب عن هذا من وجهين: الوجه الأول: عن التبرج وهو في اللغة: مصدر تبرج، يقال: تبرجت المرأة: إذا أبرزت محاسنها للرجال([1]). وفي الاصطلاح: لا يخرج معناه عن المعنى اللغوي. وقد نهى الله -عز وجل- النساء عن التبرج الذي كان شائعًا في الجاهلية، وهذا النهي تكريم لهن، وقد بدأ -عز وجل- بمناداة نساء نبيه -صلى الله عليه وسلم- وهو نداء ونهي لهن ولكل النساء في قوله -عز ذكره-: { يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ ۚإِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ} [الأحزاب: 32-33]، وما كانت عليه حال المرأة في الجاهلية من التبذل والانسلاخ من القيم والأخلاق، وما أدى إليه ذلك من إسقاط حقوقها وكرامتها إلا بسبب تبرجها، فجاء هذا النهي للنساء بأنه لا يجوز لهن أن يتبرجن كما كانت نساء الجاهلية يفعلن، ومن تفعل ذلك منهن ترتكب إثمًا عظيمًا.
الوجه الثاني: مسألة قبول الصيام من المتبرجات: وهذا لا يعلمه إلا الله -عز وجل- فهو يعلم سر عبده و علانيته، وما يبديه وما يخفيه {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر:19]، فقبول صيام العبد وعدم قبوله يرجع إلى مشيئته -عز وجل- فيتوب على من يشاء من عباده، ويغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء، قال جل في علاه: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} [الشورى:25]، وقبول عبادة العبد مبنية على تقواه؛ كما قال -عز وجل-: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:27]، وعلى هذا لا يستطيع أحد أن يقول غير ذلك، فلما قال رجل: (والله لا يغفر الله لفلان، وإن الله – تعالى- قال: من ذا الذي يتألى عليّ أن لا أغفر لفلان؟ فإني قد غفرت لفلان، وأحبطت عملك)([2]).
ولعل الحل في مسألة التبرج الذي قد تبتلى به بعض نساء المسلمين هو الدعوة إلى سبيل الله، بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بما هو أحسن؛ كما قال -عز وجل-: {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125]، وقوله تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة:83]، وقوله –تقدس اسمه-: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ} [الإسراء:52].
وحاصل القول: أن الله نهى عن التبرج وحرمه على النساء وأن قبول صيام العبد بيد الله ومشيئته، ولا يجوز لأحد أن يتألى عليه، وأن الواجب يقتضي دعوة النساء المتبرجات إلى سبيل الله، بالحكمة والموعظة الحسنة
[1] – لسان العرب والمصباح المنير مادة: (برج)
[2] – أخرجه مسلم برقم: (2621).