الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيه الأمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فإن الله -عز وجل- لما خلق الذكر والأنثى كان لحكمة عظيمة، وهي نشر البشر في الأرض؛ تحقيقًا لحكمته -عز ذكره- في خلق الخلق؛ ليبلوهم أيهم أحسن عملًا، فقال: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ) (الروم:20)، وقال -جل في علاه-: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً) (النحل:72)، ولم تكن هذه الحكمة في الخلق مقتصرة على بني آدم، بل عامة في كل المخلوقات من الحيوانات والنباتات وغيرها، فهذا التزاوج في عمومه تعظيم وتحقيق لهذه الحكمة الربانية.
والإسلام يحث على الزواج والإنجاب، وفي هذا قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “تَزَوَّجُوا الوَدُودَ الوَلودَ، فإني مُكَاثِرٌ بكم الأنبياءَ يومَ القيامةِ”([1])، وموانع الحمل تتعارض مع حكمة الله في النسل، فإذا كان المقصود منها منع الحمل مطلقًا فهذا لا يجوز، ويأثم من يفعله، أما إذا كانت هذه الموانع لأسباب شرعية، مثل كون المرأة مريضة أو ضعيفة، أو كان الرجل مريضًا أو عاجزًا لا يستطيع القيام بأعباء أولاده فهذا معفو عنه، والأصل فيه ما رواه جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: كنا نَعْزِلُ على عهدِ رسولِ اللهِ والقرآنُ ينزلُ: وقال: كنا نَعْزِلُ على عهدِ رسولِ اللهِ، فبَلغ ذلك رسولَ اللهِ فلم يَنْهَنا([2]).
وقال بجواز العزل عدد جم من الصحابة والفقهاء([3])، ويرى الإمام ابن حزم تحريم منع الحمل مطلقًا([4])، وأيًّا كان القول في موانع الحمل، وما يحرم منها وما يباح منها، فإن الله -عز وجل- تكفل بأرزاق عباده في قوله -تقدس اسمه-: (وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا) (هود:6).
فالحاصل أنه إذا كان المراد من منع الحمل منعه مطلقًا فهذا محرم. وأما إن كان هذا المنع لسبب شرعي، كالمرض أو نحوه من عدم قدرة الزوجة أو الزوج فلعله لا بأس به.
والله -تعالى- أعلم
[1] أخرجه أحمد (13594)، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (5099) وحسنه الألباني في آداب الزفاف برقم (17).
[2] أخرجه البخاري (5208)، ومسلم (1440).
[3] ينظر: شرح مختصر الطحاوي للجصاص (4/445)، والكافي لابن عبد البر (2/563)، ومختصر خليل (ص: 101).،وإحياء علوم الدين للغزالي 2/ 51 وفتح الباري 10،1-15،،والمبدع شرح المقنع لإبراهيم بن مفلح (7/180).
[4] المحلى بالآثار 5/25.