الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيه ورسوله الأمين، وعلى آله وصحابته أجمعين، أما بعد:
فقد سبق أن ذكرنا أن هناك خلافًا بين الفقهاء -رحمهم الله- ففي مذهب الأئمة: مالك والشافعي وأحمد لا يجوز النكاح إلا بولي([1]).
وعند الإمام ابن حزم لا يحل للمرأة النكاح إلا بولي، سواء كانت بكرًا أو ثيبًا([2])، ووجه الاستدلال عند الأئمة قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن أصابها فلها الصداق لما استحل من فرجها)([3])، ووجه الاستدلال أيضًا أن جمعًا من الصحابة والتابعين أجمعوا على أن المرأة لا تملك تزويج نفسها ولا غيرها، ولا توكيل غير وليها في تزويجها.
أما في مذهب الإمام أبي حنيفة فيجوز نكاح المرأة دون ولي([4])، استدلالًا بما ورد في الكتاب والسنة. أما الكتاب ففيه آيات منها قول الله -تعالى-: (وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا) (الأحزاب:50) وقوله تعالى: (فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ۗ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا) (البقرة:230)، ففي الآية الأولى نص قضى بانعقاد النكاح، وفي الآية الثانية أضاف النكاح إليها، ومنها قوله -جل في علاه-: (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۗ) (البقرة:234)، فأضاف الفعل إليها.
وأما السنة: فما رواه ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (ليس للولي مع الثيب أمر)([5])، وقوله -عليه الصلاة والسلام-: (الأيم أحق بنفسها من وليها)([6]).
هذه خلاصة ما ورد في هذه المسألة، والراجح فيها عدم جواز تزويج المرأة نفسها؛ لسببين: الأول: ما ورد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الأحاديث، وما ورد عن الصحابة -وهم كانوا أقرب الناس إليه -عليه الصلاة والسلام- في قوله وفعله وتقريره، وكذا ما ورد من أقوال الفقهاء في المذاهب الثلاثة: مالك والشافعي وأحمد، وابن حزم. السبب الثاني: تغير الأحوال والسلوك في هذا الزمان، وما قد ينشأ عن تزويج المرأة نفسها من محاذير، بسبب الاختلاط بين الرجال والنساء.
فالحاصل أن الولاية ركن من أركان النكاح، سواء كانت المرأة بكرًا أم ثيبًا.
والله -تعالى- أعلم.
[1] – الشرح الصغير للدردير 2/253 ومغني المحتاج 3/147 وكشاف القناع 5/49 والمغني لابن قدامة 6/448
[2] – المحلى بالآثار 9/25.
[3] – أخرجه الترمذي برقم (1102)، صححه الألباني في صحيح الترمذي، (١١٠٢)..
[4] – حاشية ابن عابدين 2/296، 297.
[5] – أخرجه أبوداود برقم (2100)، صححه الألباني في صحيح أبي داود، (٢١٠٠).
[6] – أخرجه مسلم برقم (1421).