سؤال من الأخت: أم فاطمة الزهراء، من الجزائر، يقول: ما هي متطلبات نجاح الدعوة في عصرنا الحالي؟

متطلبات نجاح الدعوة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فإن رسالة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هي دعوة العباد إلى الله، قال -جل في علاه-: ﴿يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ﴾ [المائدة: 67]. وقد بلغ -عليه الصلاة والسلام- ما أمر به، وأدى الأمانة وجاهد في ذلك حق الجهاد، حتى لحق بالرفيق الأعلى.

وبعد وفاته -عليه الصلاة والسلام- انتقلت تبعة الرسالة إلى أمته؛ فالخطاب له في حياته ثم أمته بعد مماته، والدعوة إلى الله تتمثل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهذا الأمر إطار عام يشمل ما يحقق للإنسان سعادته في الدارين، قال -تقدس اسمه- في وصف الأمة: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ [آل عمران: 110]، وقال -عز ذكره-: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: 104].

ففي الآية الأولى وصف للأمة بأنها خير أمة خلقها الله وذلك لقيامها بالأمر بالمعروف، فخيريتها مبنية على ما تقوم به في هذا الأمر، وفي الآية الثانية دعوة وتكليف للقيام بهذا الأمر وإن فلاحها يتوقف عليه.

فاقتضى هذا أنه لا مناص لهذه الأمة من القيام بالدعوة إلى الله، ولكن هذا يتطلب تحقيق أمرين:

الأمر الأول: أن تكون الأمة في ذاتها قائمة بهذا الأمر -أي الأمر بالمعروف- دون منازعة حوله ودون تقصير فيه، فإن لم تفعل فلن تستطيع عمل أي شيء من أجل ما كلفت به.

فالعقل يقضي أنه لا يمكن لأي إنسان، أن يأمر بما لم يأمر به نفسه، أو ينهى غيره عن فعل هو يفعله، وقد ورد في بعض الآثار أن الناس في مرحلة من مراحلهم كانوا يظلمون الرقيق، ولا يعطونهم حقوقهم، وكان هذا من الظلم الذي حرمه الله، وكان بعض الصالحين ينتقد أحد العلماء المشهورين بعلمهم وتقواهم، ويظن به ظن السوء على سكوته وغفلته، وعدم قيامه بما يجب عليه من نصح الناس وتحذيرهم من الظلم، وبعد مدة من صمت العالم عما كان يحدث، بدأ يعظ الناس ويدعوهم إلى إعطاء الرقيق حقوقهم، فقال له أحد الصالحين: كيف كنت ساكتًا عما يحدث، والآن أصبحت تجاهد لرفع الظلم؟ قال له: لم أكن لأدعو الناس وأنا أفعل مثلهم، أما وقد تحررت مما كنت فيه أصبحت مسؤولًا أمام الله، فنفع الله بما علمناه وزال الظلم عن عباده.

 الأمر الثاني: أن تأمر الأمة بالمعروف وتنهى عن المنكر حسب قدراتها وإمكانياتها، وحسب ما رسمه الله لها في كتابه في قوله -جل وعلا-: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل: 125]، وهذا هو ما كان يفعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في دعوته وجهاده وعلاقته مع عباد الله أفرادًا وقبائل ودولًا؛ حتى انتشر الإسلام رغم كل المصاعب، وقوة الامبراطوريات التي كان تسيطر على العالم. هذه خلاصة لسؤال الأخت.

والله -تعالى- أعلم.