الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن زيارة المرأة للمقابر محل خلاف بين العلماء، فمن قال بتحريم هذه الزيارة، استدل بحديث أبي هريرة -رضي الله عنه-:” أنَّ رَسولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – لَعنَ زوَّاراتِ القبورِ”([1]).
ومن قال بجواز زيارة القبور للنساء، استدل بأنَّ عائشةَ -رضي اللهُ عنها- أقبلتْ ذاتَ يومٍ من المقابرِ ، فقيل لها : يا أمَّ المؤمنينَ، من أينَ أقبلتِ ؟ قالت : من قبرِ أخي عبدِ الرحمنِ بنِ أبي بكرٍ ، فقلتُ لها : أليسَ كان رسولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – نهَى عن زيارةِ القبورِ ؟ قالت :نعم، كان نهَى ثم أَمَرَ بزيارتِها ([2])، ووجه الاستدلال أيضًا أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مر بامرأة عند قبر تبكي على صبي لها، فقال لها: اتَّقِي الله وَاصْبِرِي، فَقَالَتْ: إِلَيْكَ عَنِّي، فَإِنِّكَ لَمْ تُصَبْ بمُصِيبتي، وَلَمْ تعْرفْهُ، فَقيلَ لَها: إِنَّه النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم -، فَأَتتْ بَابَ النَّبِّي – صلى الله عليه وسلم -، فلَمْ تَجِد عِنْدَهُ بَوَّابينَ، فَقالتْ: لَمْ أَعْرِفْكَ، فقالَ: إِنَّما الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأولَى،([3]) ووجه الاستدلال أنه رآها عند قبر صبيها فلم ينكر عليها، وأما الاستدلال بحديث زوارات القبور فإنما المراد به المكثرات من الزيارة.
ولعل الراجح عدم جواز هذه الزيارة؛ لأن اللعنة تشديد في سوء الفعل، وتحذير للنساء من الزيارة، أما الصلاة المفروضة في المقابر، فلا تجوز لا للرجال ولا للنساء، وإنما تجوز للرجال الصلاة على الميت إذا لم يدركوا الصلاة عليه في المسجد، أما النساء، فالأحوط ألا يصلين على الميت إلا في المسجد.
[1] صحيح سنن الترمذي للألباني (1056).
[2] أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 4/78، وصححه الألباني في إرواء الغليل 3/234.
[3] متفق عليه: أخرجه البخاري (1283)، ومسلم (926).