الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن منع الزوج لزوجته من الإنجاب بحجة الحالة الاقتصادية وغلاء المعيشة، فهذا المنع لا يجوز.
وفي هذه المسألة وجهان:
الوجه الأول: أنه ليس للزوج إجبار زوجته على عدم الإنجاب؛ لأن العقد بينهما مبني في العموم على إنجاب الذرية لمنفعة الزوجين؛ عملًا بقول الله -عز وجل-: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً) (النحل:72)، وعملًا بما يوجبه العقد من الوفاء به؛ لقول الله –تعالى-:(وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ۖ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا)(الإسراء:34)، فالإنجاب من حكم الله وسننه في خلقه، ولا يجوز لأحد منعه؛ لأن ذلك مصادم لحكمه وإرادته وتدبيره لخلقه، ولو اتبع العبد هواه في أي أمر لفسدت الأرض، وفي هذا قال -عز ذكره-: (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ) (المؤمنون:71).
الوجه الثاني: الادعاء بعدم القدرة على آثار الإنجاب، بسبب العجز عن الإنفاق على الأولاد – مصادم لتعهد الله برزق خلقه في قوله -عز وجل-: (وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا) (هود:6)، وقوله تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ)(الملك:15)، وقد أنكر الله على العرب في جاهليتهم من قتل أولادهم خشية الفقر بقوله تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْۚ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا) (الإسراء:31)، فإذا استعان العبد بالله، وأحسن نيته في أن ربه قد تكفل برزقه وزرق ولده- جعل له من كل ضيق مخرجًا، وبدل عسره إلى يسر، وفقره إلى غنى، فلا يجوز له أن يمنع الولد، فما يدري عما هو خير له، فيكون هذا الخير في إنجاب هذا الولد.
فالحاصل أنه لا يجوز للزوج منع زوجته من الإنجاب.