الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن نزول المرض أو شفائه بيد الله، وليس بالضرورة أن يكون بسبب ذنوب العبد فقد يمرض المؤمن ولا يمرض العاصي، فكل ما يجري للعبد في دنياه هو بإرادة الله وحوله وقوته يقول تعالى: ﴿ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾ [سبإ:3]. ومع أن على العبد أن يعترف عندما يرتكب من ذنب إلا أنه لا يجوز له أن يجعل ذنوبه، هي السبب في مرضه فقد يكون هذا ممن أحبهم الله، والأصل في هذا قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: فيما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه (إنَّ عِظمَ الجزاءِ مع عِظمِ البلاءِ، وإنَّ اللهَ إذا أحبَّ قومًا ابتَلاهم، فمَن رَضي فله الرِّضَى، ومَن سخِط فله السَّخطُ)([1]). وقد يكون مرض العبد سبب لتكفير سيئاته وزيادة حسناته والأصل في هذا قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه: (ما يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِن نَصَبٍ ولَا وصَبٍ، ولَا هَمٍّ ولَا حُزْنٍ ولَا أذًى ولَا غَمٍّ، حتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بهَا مِن خَطَايَاهُ)([2]).
فالواجب على المسلم مريضا أو صحيحا ألا ييأس من روح الله ﴿إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ [يوسف:87]. والواجب أيضا ألا يقنط المسلم من ذنوبه ولو كانت كبيرة وقد وعد الله تقدس اسمه بالمغفرة لعباده في قوله: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر:53].
إن الشيطان يأتي للعبد في مرضه فيذكره بما كان له من ذنب، وذلك لإضلاله وتأييسه من رحمة الله، فالواجب في حال المرض وحال الصحة الإكثار من الاستغفار فقد وعد الله جل في علاه أنه لن يعذب المستغفر في قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الأنفال:33].
هذا هو القول الحق، وهو الذي يزيل هموم العبد ووسوسة الشيطان له في مرضه.
والله تعالى أعلم.
[1] – أخرجه الترمذي برقم: (2396)، حسنه الألباني في صحيح الترمذي (٢٣٩٦).
[2] –أخرجه البخاري برقم: (5642) واللفظ له، ومسلم برقم: (2573).