سؤال من الأخت: أم أحمد، من الجزائر، يقول: أعاني من الوسواس في عباداتي ووضوئي وصلاتي، فما الحل؟

وَسْوَسة الشَّيطان للعِبَاد

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيه ورسوله الأمين محمد، وعلى آله وصحابته، ومن تبعهم، واقتفى أثرهم إلى يوم الدين، أما بعد:

فإن الشيطان عدو للعباد، يعمل على إغوائهم وإضلالهم، وإفساد حياتهم عليهم بكل الوسائل، ومنها الوسوسة في صدورهم، فقد حكى الله -سبحانه- عن كيده وضلاله بقوله: ﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٢) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾ [ص: 82-83]، وقد بيّن الله أنه عدو لعباده بقوله -جل وعلا-: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ [يس: 60]، وقوله: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ [فاطر: 6].
والآيات في عداوة الشيطان ووسوسته كثيرة، فما من أحد من بني آدم إلا ويجد هذه الوسوسة، كما قالت الصحابة: يا رسول الله، إن أحدنا ليجد في نفسه ما لأن يخر من السماء إلى الأرض، أحب إليه من أن يتكلم به. فقال: ((ذاك صريح الإيمان))([1]). وفي رواية: ما يتعاظم أن يتكلم به. قال: ((الحمد الله الذي رد كيده إلى الوسوسة))([2]).

فهذه الوسوسة تدفع بقراءة القرآن، وذكر الله فمن القرآن آخر سورة البقرة، وآخر سورة آل عمران، فهاتان السورتان تُسمَّيان الزهراوين لاشتراكهما في توحيد الله في ألوهيته، في قوله -عز وجل-: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ [البقرة: 255] إلى آخر الآية، وقوله -عز وجل- في سورة آل عمران: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ [آل عمران: 2]، كما تدفع الوسوسة بقراءة سورة الإخلاص: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: 1] إلى آخرها ثلاث مرات، فهي ثلث القرآن، كما تدفع الوسوسة بقراءة المعوذتين ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾ [الفلق: 1]، و﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾ [الناس: 1]، كما تدفع الوسوسة بذكر الله، وفي هذا قال -جل في علاه-: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ﴾ [البقرة: 152]، وقال: ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرعد: 28]، وقال: ﴿وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 35].

وأمر المؤمنين بأن يذكروه ويسبحوه، فقال: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (٤١) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (٤٢) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ [الأحزاب: 41-43]، وفي حديث أبي موسى -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-قال: ((مثل الذي يذكر ربه، والذي لا يذكر ربه، مثل الحي والميت))([3]). وقال -عليه الصلاة والسلام- للرجل الذي سأله قائلًا: إن شرائع الإسلام قد كثرت عليَّ، فأخبرني بشيء أتشبث به، قال: ((لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله))([4]). ومن دفع وسوسة الشيطان كثرة الاستغفار، ففيه قال الله -عز وجل-: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الأنفال: 33]، وقال رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه ابن عباس -رضي الله عنهما-: ((من لزم الاستغفار، جعل الله له من كل ضيق مخرجًا، ومن كل هم فرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب))([5]) ومن دفع الوسوسة التعوذ من الشيطان عند قراءة القرآن؛ لقول الله -عز وجل-: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ القرآن فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (٩٨) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ [النحل: 98-99]، وعندما ينفخ أو ينفث الشيطان في روع العبد، ويوسوس له في عبادته، أو في مختلف حياته يستعيذ بالله منه؛ لقول الله -عز وجل-: ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [فصلت: 36]. وكلما قوي إيمان العبد وإخلاصه في طاعة ربه، ابتعد عنه الشيطان، فهو أصغر وأَدْحَر وأضعف، عندما يتوكل العبد على ربه، ويستعيذ به من وساوسه. فعلى الأخت أن تتوكل على الله، وتستعيذ به من الشيطان الرجيم، وسوف يبتعد عنها إن شاء الله.

([1]) أخرجه مسلم، كتاب: الإيمان، برقم: (132)، (1/83).

([2]) أخرجه أبو داود، كتاب: الأدب، باب: في رد الوسوسة، برقم: (5112)، (7/435)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، برقم: (5112)، (3/256).

([3]) أخرجه البخاري، كتاب: الدعوات، باب: فضل ذكر الله عز وجل، برقم: (6407)، (8/86)، ومسلم، كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، برقم: (779)، (2/188)، واللفظ للبخاري.

([4]) أخرجه الترمذي، أبواب: الدعوات، باب: ما جاء في فضل الذكر، برقم: (3375)، (5/388)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، برقم: (1491)، (2/203).

([5]) أخرجه أبو داود، أبواب: فضائل القرآن، باب: في الاستغفار، برقم: (1518)، (2/628)، وابن ماجه، أبواب: الأدب، باب: الاستغفار، برقم: (3819)، (4/721)، وضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود، برقم: (268)، (2/97).