سؤال من الأخت ” أمينة..” من الجزائر، يقول: ما حكم البقاء مع الزوج الذي لا يعمل ولا يريد أن يعمل، والزوجة تعمل وتتحمل المصاريف كلها ، وقد امتنعت عن النوم معه وعن معاشرته. هل عليها وزر ؟ وهل تطلب الطلاق وليس عليها وزر؟

الزوج الذي لا يعمل لكسب رزقه وأولاده

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد، أما بعد:

فظاهر السؤال أن زوج الأخت لا يعمل، وهي لهذا لا تضاجعه ولا تعاشره.

والجواب : الزوج – أي زوج-  ملزم بالإنفاق على زوجته وعياله النفقة المشروعة، وهي ما تعارفه أمثاله من الإطعام والإكساء ونحو ذلك، وهو ملزم بهذه النفقة بحكم الشرع والعقل؛ أما الشرع فقول الله -جل في علاه-: ” وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ”(البقرة:233)، وقوله -تقدس اسمه-: ” لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ”(الطلاق:7) وقد أكد ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أحاديث كثيرة، ومنها ما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أن  رَسول اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- قال:” كَفَى بالمَرْءِ إثْمًا أَنْ يَحْبِسَ عَمَّنْ يَمْلِكُ قُوتَهُ”([1]). وقوله -عليه الصلاة والسلام- في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- :” دِينارٌ أنْفَقْتَهُ في سَبيلِ اللهِ، ودِينارٌ أنْفَقْتَهُ في رَقَبَةٍ، ودِينارٌ تَصَدَّقْتَ به علَى مِسْكِينٍ، ودِينارٌ أنْفَقْتَهُ علَى أهْلِكَ؛ أعْظَمُها أجْرًا الذي أنْفَقْتَهُ علَى أهْلِكَ”([2]) وقوله -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه-: ” والذي نَفْسِي بيَدِهِ، لَأَنْ يَأْخُذَ أحَدُكُمْ حَبْلَه، فيَحْتَطِبَ علَى ظَهْرِه؛ خَيْرٌ له مِن أنْ يَأْتيَ رَجُلًا، فيَسْأَلَه، أعْطاهُ أوْ مَنَعَه”([3]).

وأما النفقة بحكم العقل فإن الزوج ملزم عقلًا بالإنفاق على أولاده وزوجته، فهو المسؤول عن ذلك، فما كان  له أن يتزوج  إذا لم يكن قادرًا على الإنفاق على عياله، والشاهد فيه أن المخلوقات من غير ذات  العقل تطعم صغارها وتحميهم من الجوع حتى يكبروا، والزوج حين يتزوج ويبني أسرة يفترض فيه القدرة على الكسب والإنفاق على ولده، ما لم يكن عاجزًا بمرض أو معوقًا بسبب مماثل.

وكسب الرزق والعمل مما أمر شرْعُ اللهِ به أمرًا لازمًا لا ينفك عن الزوج بحكم قوامته على أسرته، وما يجب عليه من العمل للوفاء بالإنفاق عليها، فمن فعل غير ذلك فقد باء بالإثم، ففي حديث المقدام بن معد يكرب -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:  ” ما أكلَ أحدٌ طعامًا قطُّ ، خيرًا من أنْ يأكلَ من عمَلِ يدِهِ، وإنَّ نبيَّ اللهِ داودَ كان يأكلُ من عمَلِ يدِهِ”([4]). وروي أنه -صلى الله عليه وسلم- دخل المسجد فوجد رجلًا لا يغادر المسجد ويبقى فيه باستمرار، فسأله: من ينفق عليك؟ فقال: أخي. فقال له: أخوك خير منك” ” مع أنه ليس لهذا الحديث سند صحيح إلا أن الأحاديث التي تؤكد إنفاق الوالد على ولده تؤيد هذه الرواية” .

هذا في عموم المسألة، أما عن سؤال الأخت فينبغي  لها نصح زوجها بالعمل وكسب رزقه، مع معاشرتها له بالحسنى، وتكرر النصح له بذلك؛ لعله أو أحدًا من أسرته يعينه على نفسه، فإن أبى فلها الحق في الطلب من القضاء الشرعي إلزامه بالنفقة عليها وعلى أولاده، فإن لم تستطع واستمر في فعله حق لها الطلاق.

والله -تعالى- أعلم.

[1] أخرجه مسلم(996).

[2] أخرجه مسلم(995).

[3] أخرجه البخاري(1470).

[4] أخرجه البخاري (2072).