سؤال من الأخت آية من مدينة آكسفورد البريطانية، يقول: شيخنا، ماحكم الولد الذي يدعو على والديه بخراب البيت، ويقوم بتطبيق أوامر زوجته على حساب عقوق أبويه؟ وجزاكم الله خيرًا.

عقوق الوالدين

          الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فإن احترام حقوق الوالدين والبر بهما وعدم عقوقهما من الفطرة السليمة عند سائر البشر، ولا يشذ عن ذلك إلا من سفه عقله وساء فهمه، وقد بيّن الله  -عز وجل- في كتابه ما يجب على الولد نحو والديه، فقال -عز ذكره-: ( وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) (الإسراء:23-24)، وحذر -عز وجل-من قطيعة الرحم، وما يستحقه من قطع رحمه بقوله ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ)(22-23).
     هذا في كتاب الله، أما في السنة رسوله محمد – صلى الله عليه وسلم – قوله -عليه الصلاة والسلام-: (إنَّ اللَّهَ خَلَقَ الخَلْقَ، حتَّى إذا فَرَغَ مِن خَلْقِهِ، قالتِ الرَّحِمُ: هذا مَقامُ العائِذِ بكَ مِنَ القَطِيعَةِ، قالَ: نَعَمْ، أما تَرْضَيْنَ أنْ أصِلَ مَن وصَلَكِ، وأَقْطَعَ مَن قَطَعَكِ؟ قالَتْ: بَلَى يا رَبِّ، قالَ: فَهو لَكِ :فاقْرَؤُوا إنْ شِئْتُمْ: (فَهلْ عَسَيْتُمْ إنْ تَوَلَّيْتُمْ أنْ تُفْسِدُوا في الأرْضِ وتُقَطِّعُوا أرْحامَكُمْ)([1]). وقوله -عليه الصلاة والسلام-: (قالَ اللَّهُ: أَنا الرَّحمنُ وَهيَ الرَّحمُ، شَقَقتُ لَها اسمًا منَ اسمي، من وصلَها وصلتُهُ، ومن قطعَها بتتُّهُ).([2]) وقوله -عليه الصلاة والسلام-: (الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بالعَرْشِ تَقُولُ مَن وصَلَنِي وصَلَهُ اللَّهُ، ومَن قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللَّهُ)([3]).

 هذا في العموم، أما في سؤال الأخت، فمن يدعو على والديه، أو يفضل زوجته عليهما، أو تنقصهما أو يسبب لهما أذى، أو يقصر في برهما وأداء حقوقهما المادية أو المعنوية يعد مرتكبًا إثمًا عظيمًا، ويتعرض للعقوبة في العاجل أو الآجل، ولا يرفع الله هذا الإثم عنه إلا إذا رضي عنه والداه. فعلى هذا الأخ أن يتوب إلى الله  ويستذكر ما بذله له والداه في صغره وما تحملاه من المشاق والمعاناة في سبيله .

   فالحاصل: أن العاق لوالديه يرتكب إثمًا كبيرًا، ولا ينجو من ذلك الإثم إلا بالتوبة والبر بوالديه. والله -تعالى- أعلم.

[1] – أخرجه البخاري برقم (5987)

[2] – أخرجه أبو داود برقم : (1694).

[3] – أخرجه مسلم برقم : (2555).