الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن مما شرعه الله وأباحه للرجل أن يتزوج باثنتين أو بثلاث أو بأربع زوجات، وجاءت هذه الإباحة نصًّا في كتابه العزيز في قوله -عز وجل- : (فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا) [النساء: ٣]، ففي هذه الآية حكمان: الأول: الإباحة للرجل أن يتزوج بزوجتين اثنتين أو بثلاث زوجات أو بأربع. ومن زعم أنه يجوز له أن يتزوج تسعًا فقد غلط غلطًا شنيعًا، وأساء فهم القرآن، فلو أراد الله ذلك لقال في محكم التنزيل: (فانكحوا تسعًا)، ولما كان هناك حاجة إلى تعداد؛ والشاهد فيه أيضًا أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال لغيلان الثقفي لما أسلم -وكان عنده عشر نسوة- (خذ منهن أربعًا وفارق الباقي)([1]) أما من احتج بأن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – توفي وعنده تسع زوجات فقد أساء الاستدلال؛ لأن نساء رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من خواصه النبوية، أما ما عداه فالإباحة لأربع، بمعنى أن التعدد ليس إلزامًا للرجل، وإنما هو مجرد إباحة وفقًا لظروفه وحاجته وقدرته.
الحكم الثاني: أن هذه الإباحة مقيدة بعدل الزواج بين من أبيح له من الزوجات، فإن لم يعدل فليس له الزواج إلا من واحدة. وعلى هذا لا يجوز للزوجة أن تمنع زوجها من التعدد إلا إذا اشترطت عليه عند عقد الزواج ورضي بذلك، فيحق لها الاعتراض عليه إذا خالف هذا الشرط؛ لقول رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (المسلمون على شروطهم إلا شرطًا أحل حرامًا أو حرم حلالًا) وقوله -عليه الصلاة والسلام-: (أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا به ما اسْتَحْلَلْتُمْ به الفُرُوجَ)([2]).
[1]– صحيح سنن الترمذي للألباني (1128).
[2]– أخرجه البخاري برقم (2721).