الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
ففي الجواب عن سؤال الأخت تفصيل من وجهين:
الأول: عقوق الولد ذكرًا كان أو أنثى لوالديه: فهذا العقوق مما حرمه الله، فقد أمر -عز وجل- بالإحسان إلى الوالدين، فبعد أن بيّن أنه قضى بألا يعبد العباد إلا هو، بين -عز ذكره- أنه قضى بوجوب الإحسان إلى الوالدين، فقال: (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)(الإسراء:23-24)، ففي هذه الآية أمر، وأمر الله أحق أن يوفى به، فمن لم يفعل ذلك بوالديه يكون من العاقين لهما بما يؤدي إليه هذا العقوق من قطيعة الرحم. وهذه القطيعة من الفساد في الأرض، وما يتبع ذلك من اللعن والطرد من رحمة الله، (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ، أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ)(محمد :22-23).
هذا في الكتاب، أما في السنة، فقول رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ( أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ ثَلَاثًا. قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ )([1])، وقوله -عليه الصلاة والسلام-: (لا يدخلُ الجنةَ منَّانٌ، ولا عاقٌّ، ولا مُدمِنُ خمرٍ )([2]) وقوله -عليه الصلاة والسلام-: ( رَغِمَ أنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُ، قيلَ: مَنْ؟ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: مَن أدْرَكَ أبَوَيْهِ عِنْدَ الكِبَرِ، أحَدَهُما، أوْ كِلَيْهِما فَلَمْ يَدْخُلِ الجَنَّةَ)([3]).
الوجه الثاني: سؤال الأخت عما إذا كان عليها إثم إذا لم تزر أختها، فالواجب عليها عدم القطيعة مع أختها، فكون أختها تقطع رحمها لا يبرر لها هذه القطيعة، فصلة الرحم لا تتجزأ، ولا يكون علاج القطيعة بقطيعة أخرى، وإثم أختها في عدم صلة والديها لا يسقط حقها في البر بها من إخوانها أو أخواتها، فعلى الأخت في السؤال أن تزور أختها وتذكرها بما يجب عليها نحو والديها، فعسى أن يكون في صلتها بها صلاح لها، وإشعارها بمسؤوليتها نحو والديها. والله – تعالى- أعلم.
[1]– رواه البخاري برقم (2654)، ومسلم برقم (87).
[2]– صحيح النسائي للألباني” 5688 “.
[3]– رواه مسلم برقم (2551).