سؤال من أحد الإخوة عن قاعدة (لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان).

معنى قاعدة (لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان)

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيه ورسوله الأمين، أما بعد:

فإن هذه القاعدة من أهم القواعد في الفقه، خاصة في هذا الزمان الذي كثرت فيه الأقاويل، وتزاحمت فيه المفاهيـم بعد أن تتابعت فيه النوازل؛ مما يجب معه دراستها، خاصة أن الفهم قد يلتبس على البعض، فيظن أنهـا على إطلاقها من حيث عدم الإنكار على تغير الأحكام دون تدقيق في ماهية هذه الأحكام؛ مما سيكون له أخطر الأثر في زمن ربمـا يراد فيه تغيير أحكام الله تحت حجج كثيرة؛ لهذا لا بد من معرفة المراد من كلمة (تغير الأحكام)، ومعرفة المراد من (عدم الإنكار) على هذا التغيير، ومن ثم معرفة المراد من (تغير الأزمان).

تغير الأحكام:

الأحكام الشرعيـة على قسمين: أحكام قطعية ثابتة ودائمة، لا تتبدل بزمـان، ولا تتغير أو تتحول بحال، ومناط هذه الأحكام

 

ما ورد في كتاب الله، وسنة رسوله محمد -ﷺ- عن أمور العبادات والمعاملات؛ فالعبادات هي كل ما وجب على العباد من توحيد الله، والإيمان به، وملائكته، وكتبه، ورسله، وطاعته، وإخلاص العـبـادة له وحده، وطاعة رسوله في أمره ونهيه، وتحريم الشرك، والكفر، والنفاق، فهذه أحكام توقيفية لا تجوز فيها الزيادة أو النقصـان؛ فالصلاة معروفة ومعلومة بأركانها، وشرائطها، وواجباتها، والزكاة كذلك، والصيام، والحج وسائر أحكام الإسلام مما هو معروف للمسلم من دينه.

وأما المعاملات فالمراد منها ما ورد النص عليه أمرًا كالوفاء بالعقود، وإحقاق الحقوق، وأداء الأمانات، وكتابة الدين، أو نهيـا كتحريم الربا، والزنا، والظلم، ونحو ذلك مما هو معروف للمسلم من دينه.

أما القسم الثاني فهو الأحكام المبنية على الاجتهاد من قياس أو مصالح مرسلة باعتبارها وسائل لتطبيق هذه الأحكام، حيث تركت الشريعة هذه الوسائل للعباد حسب زمانهم ومكانهم؛ فالكتابة في الدين -مثلًا- قصد منها حفظ الحقوق من النسيان؛ لقول الله -تعالى-: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة:282]، والكتابة قد تكون في زمان على رقاع، وقد تكون في زمان آخر على ورق، أو ضمن آلة، وقد تكون على أي نحو حسب واقع الزمان، وإمكاناته، ومـا يسود فيه، فالمهم أن يسجل الدين وما في حكمه، والأمر بالوفاء بالعقود أمر عام، وقد تتبدل وسائله من زمان إلى آخر، فيكون الوفاء به بضمانات مالية في زمان أو شخصية في زمان آخر، كمن يكفل المدين أو المشتري كفالة غرم وأداء.

وإحقاق الحقوق يتم بالحكم بين الناس فيما أشكل بينهم؛ لقول الله -تعالى-: {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ} [المائدة:49].

ووسائل هذه الحقوق قد تتغير من زمان إلى زمان، ففي الماضي كان القضاء يتم في زمن الصحابة والتابعين ومن بعدهم من قبل قاض فرد، أما اليوم فمع تشعب القضايا، وكثرة الخصومات، وضعف الوازع الديني، أصبح من المهم جعل التقاضي على درجتين أو ثلاث، مع ما يصحبه من إجراءات.

وردع الظلم كـان يتم عن طريق الولاة لمجرد طلب المظلوم إنصافه من ظالمه، وكان التحقق عن مظلمته يتم بطرق بسيطة عفوية يتحرى فيها الوالي أو نوابه عن ادعاء المظلوم، ومع تغير الزمان، وتعـدد وسائل الظلمة، وما يفعلونه من الحيل في استغلال الضعفاء والبسطاء، ومع تفشي الدعاوى الكيدية؛ ممن قد يدعون مظلمتهم، وهم أنفسهم ظالمون، أصبح من الواجب وضع أنظمة للمظالم، وكيفية ردهـا، والتحقق من الدعاوى الكيدية، ومجازاة أصحابها وفق نظم وإجراءات معينة.

والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمر عام أساسه قول الله -تعالى-: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} [آل عمران:110]، وأساسه -أيضًا- قول رسول الله -ﷺ-: «لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد الظالم، ولـتـأطـرنـه على الحق أطرًا، ولتـقـصـرنـه على الحق قـصرًا، أو ليـضربـن الـلـه قـلـوب بعضكـم ببعض»([1]).

وفي الماضي كان رجال الحسبة يتولون العديد من الصلاحيات الدينية والدنيوية، فكانوا يراقبون أحـوال الباعة، ومكاييلهم، وموازينهم، ويراقبون الصـناع والعمـال، ومختلف أحوال الناس، ومعاملاتهم وعلاقاتهم، فيأمرون بالمعروف إذا اقتضت ذلك أحوالهم، وينهون عن المنكر إذا رأوه، أو أُبـلـغـوا عـنه، ومع تطور الحياة ووسائلها، وتشعب قضاياها، ومشكلاتها انحصر عمل رجال الحسبة في المحافظة على الأخلاق، وأصبحت مسائل المعاملات ورقابتها من اختصاص وزارات أو مصالح معينة، فهذا التغيير الذي حدث أو يحدث في هذه المسائل ونحوها أريد مـنه مراعاة المصالح العامة، وعدم وقوع الناس في الحرج، إما بسبب عرفٍ ألفوه واستمرؤوه، أو بسبب ضرورة الجأتهم، أو مشـقة أعنتهم، فكان لا بد لهم من تغيير (وسائل الأحكام) المعبر عنها هنا بـ (الأحكام).

عدم الإنكار على تغيير الأحكام:

المراد منه مخاطبة العموم بعدم الإنكار على تغيير الأحكام، وعدم الاعتراض على من يقول بتغييرها، وقد عبر في القاعدة بعدم الإنكار لكون ذلك أسهل من القول بوجوب تغييرها، لأن النفوس تستصعب تغيير الأحكام؛ لما قد يكون في هذا التغيير من مساس بعقيدتها، أو بأمور دنياها، فقيل: لا ينكر هـذا التغيير؛ لما فيه من المصلحة، وكان الأفضل أن يقال: لا ينكر تغير الأحكام الاجتهادية؛ حتى لا ينصرف الذهن إلى مطلق الأحكام، وهو غير المقصود.

ولا شك أن إزالة المنكر بضده أو بالتخفيف منه أمر مشروع ومطلوب، فلما مر شيخ الإسلام ابن تيمية بقـوم من التتار أثناء احتلالهم لبلاد المسلمين في الشام وهم يشربون الخمر، وأنكر عليهم من كان معه، قال له: إن الله حرم الخمر؛ لكونها تصد عن ذكر الله، وعن الصلاة، وهؤلاء يصدهم الخمر عن قتل النفوس وسـبي الذرية والإفساد، فعدم الإنكار عليهم أفضل من الإنكار عليهم([2]).

تغير الأزمان:

الأزمان لا تتغير في ذاتها، فهي تجري على عادتها التي أجراها الله عليـها، ولكن أهل الأزمـان من الناس يتغيرون في سلوكهم، وأعرافهم، وعاداتهم، وأخلاقهم؛ فأهل زمان ما قد يكونون على نقيض أهـل زمان آخـر صلاحًا أو فسادًا، وقد اقتضى هذا التغيير مراعاته بما يلائمه من الأحكام الاجتهادية؛ ولهذا كـان المتأخـرون من فقهاء المذاهب يخالفون كثيرًا من الفتاوى التي استقر عليها العمل في مذاهبهم، بعد أن وجدوا أن تطبيق تلك الفتاوى على الحوادث المستجدة مما يصعب قبوله، إما لمصادمته عرفًا مستقرًّا، أو لعدم رفعه لمشقة أو حرج وقع للناس، أو لأن واقع الحـال لا يتقبله، وسنبحث هنا بإيجاز الأسباب الموجبة لعدم الإنكار على تغيير الأحكام الاجتهادية على النحو الآتي:

فساد أهل الزمان:

إن الله -جل وعلا-لما بعث رسوله، وأنزل شريعته، كان ذلك كله لمصلحة العباد في معاشهم ومعـادهم؛ ذلك أنه -عز وجل- غني عنهم، فلا تنفعه طاعتهم، ولا تضره معصيتهم، كما ورد في الحديث القدسي: «لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، كانوا على اتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئًا»([3])، وقد بين الله الغاية من بعث رسوله، وإنزال شريعته في قوله -تعالى-: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ} [التوبة:33]، وقوله -عز وجل-: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين} [الأنبياء:107]، وقوله -جل ثناؤه-: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} [الفرقان:56]، كما بين رسول الله -ﷺ- الغاية من بعثته في قوله: «إني أرسـلـت بالحنيفيـة السمحة»([4])، وقوله -عليه الصلاة والسلام-: «إذا أمرتـكـم بأمر فأتوا منه ما استطعتم»([5])، وقوله: «الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه»([6])، وقوله -عليه الصلاة والسلام- في حديث أبي بردة عن أبيه قال: بعثني رسول الله -ﷺ- ومعاذًا إلى اليمن، فقال: «ادْعُوَا الناس، وبشِّرَا ولا تنفرا، ويسرا ولا تعسرا»([7]).

والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة؛ فاقتضى هذا أن شريعة الله جاءت بالعدل والرحمة، وحفظ مصالح العباد وكرامتهم، وحقوقهم، ووجوب العدل بينهم، ودفع الظلم عنهم، وتمكينهم من الانتفاع بما وضعه الله لهم في الأرض من الـطـيـبات؛ تحقيقًا لحكمته-جل وعلا- في إعمارهم الأرض، وتذليل الصعاب لهم؛ لكي يعبدوه ويوحدوه؛ ليعود نفع ذلك عليهم في حالهم ومآلهم.

وفي هـذا المعنى قال الإمام ابن القيم: “فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العبـاد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالحُ كلها، وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعـن الرحـمة إلى ضـدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل، فالشريعة عدل الله بين عباده، ورحمته بين خلقه، وظله في أرضه، وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسـوله -ﷺ- أَتَمَّ دلالةٍ وأصدقَـهـا، وهي نوره الـذي به أبـصـر المبصرون، وهداه الذي به اهتدى المهتدون، وشفاؤه التام الذي به دواء كل عليل، وطريقه المستقيم الذي من استقام عليه فقد استقام على سواء السبيل، فهي قرة العيون، وحياة القلوب، ولذة الأرواح، فهي بها الحياة والغذاء والدواء والنور والشفاء والعصمة، وكل خير في الوجود فإنما هو مستفاد منها، وحاصل بها، وكل نقص في الوجود فسببه من إضاعتها، ولولا رسـوم قد بقيت لخربت الدنيـا، وطوي العالم، وهي العصمة للناس، وقوام العالم، وبها يمسك الله السماوات والأرض أن تزولا، فإذا أراد الله -سبحانه وتعالى- خراب الدنيا وطَيَّ العالم رفع إليه ما بقي من رسومها، فالشريعة التي بعث الله بها رسوله هي عمـود العالم، وقطب الفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة”([8]).

وتحقيقًا لغاية الشريعة في تحقيق مصالح العباد فإن تغيير الأحكام الاجتهادية يعد جزءًا من هذه الغاية عندما يكون في هذه الأحكام مشـقة أو حرج على الناس بسبب فسادهم؛ نتيجة ضعف وازعهم الديني، والأمثلة على ذلك كثيرة، منها ما يأتي:

عدم قـضاء القاضي بعلمه الـشخصـي: كان من المألوف -بل المعروف- أن القاضي يقضي بعلمه الشخصي، فإذا علم ببينة تتعلق بالدعوى المقامة عنده حكم بـعـلـمـه، والمستند في ذلك عدد من الأقضية التي تمت في زمن عمر -رضي الله عنه- وغيره من السلف، فلما فسد أهل الزمان، وكثرت الرشا، وولي القضاء من لا يستحقه في العصور المتأخرة أفتى المتأخرون بعدم صحة قضاء القاضي بما يعلم هو، بل عليه أن يستند في حكمه على البينات التي تقدم من الخصوم، فإذا شاهد جريمة تقع أمام بصره عليه أن يبلغ بهـا من هو مختص بالنظر فيها، دون أن يجعل لعلمه الشخصي بالوقائع أثرًا في أحكامه، وقد يؤخذ على هذه الفتوى إضاعتـهـا لـبيـنة قد تكون هي الفاصل في الدعوى، ومع ذلك فالعبرة لواقع الحال، وفساد أهل الزمان.

لقطة ما يخشى عليه: من أحكام اللقطة جواز التقاط نوع منها، وعدم جواز التقاط نوع آخر، فقد سئل رسول الله -ﷺ- عن ضوالِّ الإبل، وهل يجوز التقاطها وتعريفهـا، وردها على صـاحبها إذا عرفها؟، فنهى -عليه الصلاة والسلام- عن ذلك، وقال: «ما لك ولها؟ معها حذاؤها وسقاؤها، ترد الماء، وتأكل الشجر»([9]).

وفي عهد الخليفة الراشد عثمان -رضي الله عنه- أمر بالتقاط ضـوال الإبل وبيعها، فإذا جاء صاحبها أعطي ثمنها([10])، ولم يكن عثمان -رضي الله عنه- يفعل ما فعل-وهو المعاصر لرسول الله -ﷺ-، ومن سمع أمره ونهيه-إلا لأن ذمم الناس قد فسدت، وأن أيديهم قد تلوثت بالحرام، فخشي أن تمتد هذه الأيدي إلى هذه الضوال، فتلتقطها ثم تخفيها.

الزواج من الكتابية: زواج المسلم من الكتابية مما أحله الله في قوله -عز وجل-: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ} [المائدة:5].

ومع أن هذا حكم قاطع لا ريب فيه إلا أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- تحفظ على هذا الزواج بعد أن تصور فساد الزمـان، وما يحتمل أن يؤدي إليه هذا الزواج من دخول الأولاد في ديانة أمهم، ناهيك بما للزوجة من تأثير في زوجها وأولادها، وما سيكون في ذلك من الآثار السيئة على الأمة([11]).

مظنة الإكراه من غير السلطان: في أصل المذهب الحنفي لا يكون الإكراه إلا من السلطان، فلمـا كثر الفساد، وأصبح الإكراه يحدث من غير السلطان أفتى المتأخرون من أصحاب المذهب بوقوعه من غيره([12]).

تضمين الغاصب أجرة المثل عن منافع المغصوب: الأصل في المذهب الحنفي أن الغاصب لا يضمن قيمة منافع ما غصبه خلال مدة الغصب، وإنما يضمن عينه فقط إذا هلكت، أو صار فيها عيب؛ لأن المنافع ليست مالًا متقومًا حسب نصوص المذهب، غير أن الفقهاء المتأخرين من أصحاب المذهب لَحِظُوا أن في الناس جرأةً على الغصب بسبب سوء سلوكهم، وفساد ذممهم، فقالوا بوجوب تضمير الغاصب أجـرة المثل عن منافع ما غصبه، خاصـة إذا كان المال المغصوب معدًّا للاستغلال، أو كان مال وقف أو مال يتيم([13]).

عدم جواز الاستئجار على فعل الواجب: الأصل أن الإنسان يقوم بما وجب عليه من عمل، فالولد لا يستحق أجرًا على رعاية والديه، والزوجة لا تستحق أجرًا على خدمة بيت زوجها وأولادها، ومن يعلم التلاميذ القراءة أو الكتابة لا يستحق على ذلك أجرًا ومن يؤم الناس في الصلاة، أو يخطب فيهم يوم الجمعة، أو يرشدهم لأمور دينهم، لا يستحق على ذلك أجرًا، طالما أنه يقدر على ذلك، والأصل في عدم جـواز أخذ الأجـر على التـعلـيـم أو الإمامـة أو نحوها كونه من الواجبات الدينية، وهذا ما كان عليه السلف في ماضيهم، غير أنه في الأزمنة التالية تقاعس الناس عن أداء هذه الواجبات؛ لانقطاعهم عن كسب قوتهم، وضعف هممهم، فأفتى المتأخرون بجواز أخذ الأجرة على الأذان، وعلى تعليم القرآن، وأداء الواجبات الدينية([14]).

تضمين الأجير المشترك: الأصل أن هذا الأجير كالخياط والغسال ومن في حكمهما أمناء لا يضمنون ما لديهم، إلا إذا ثبت تعديهم عليه، أو تقصيرهم في حفظه ورعايته، ولما ساءت الذمم، وكثر الادعاء بهلاك حوائج الناس، وجب تضمين الأجير ما في يده؛ دفعًا له إلى الحرص عليه، وحفظًا لحقوق الناس من الهلاك بحجة افتراض الأمانة([15]).

منع الفتيات من الذهاب إلى المساجد: الأصل عدم منع المرأة من الذهاب للصلاة في المساجد عملًا بقول رسول الله -ﷺ-: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله»([16])، وعملًا بما درج عليه نساء رسول الله وصحابته ونساء السلف الصـالح من الصلاة في المساجد، ولما فسدت الأخلاق، وأصبحت النساء عرضة للأذى -خـاصة الشابات منهن- أفتى المتأخرون بمنعهن من الذهاب إلى المساجد([17]).

جواز الـتـسـعـيـر للأقوات: الأصل عدم جـواز تسعير الأقوات والأرزاق؛ لنهي رسـول الله -ﷺ- عن ذلك في قوله: «إن الـلـه هـو المسعر القابض الباسط»([18])، وقوله -عليه الصلاة والسلام-: «دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض»([19])، وكان هذا في العصر النبوي الذي كان الناس فيه يتبايعون دون مغالاة في أسعارهم، ولما فسدت الذمم، وازداد في النفوس حب المـال، أفتى الإمام مالك وعدد من الفقهاء بجواز التسعير ردعًا للتجار الذين يغالون في الأسعار، ورأفة بأصحاب الحاجات([20]).

اعتبار الهدية للمسؤول رشوة: في الماضي كان الناس يتهادون تعبيرًا عن المحبة بينهم، دون أن يكون لهذا التهادي قصد لابتغاء مصلحة دنيوية؛ لما أثر عن رسول الله -ﷺ-: «تهادوا تحابوا، وتذهب الشحناء»([21])، ولما فسد أهل الزمان أصبحت الهدية مظنة الرشوة، وقد أنكر الرسول -ﷺ- هذه الهدية، فحين جاء بن اللتبية من جباية الزكاة، واختص بشيء منها لنفسـه خـطب رسول الله -ﷺ- في الناس، فقال: «ما بال الرجل يبعث على الـصـدقـة، ثـم يـقـول: هـذا لكم، وهذا أهدي لي؟، أفلا جلس في بيت أمه، فينظر: أيهدى إليه أم لا»؟([22]).

تزكية الشهود إذا خيف من نقص عدالتهم: الأصل أن المسلم بريء حتى يثبت العكس عنه، فعندما يشهد على واقعة يفترض صدقه وعدله، وقبـول ما شهد به، والرسول -ﷺ- رغم تحذيره للشاهد من خطورة الشهادة في قوله -عليه الصلاة والسلام- عندما سئل عن الشهادة، فقال للسائل: «هل ترى الشمس»؟، قال: نعم! قال: «على مثلها فاشهد أو دع»([23])، رغم هذا لم يَرَ تزكيته، فافترض صدقه، ولما فسد أهل الزمان، وأصبح الشـهـود يتجرؤون على الشهادة، بل إن منهم من يأخذ عليها أجرًا، وجب حينئذ تزكيتهم براءة للذمة، وحفظًا للحقوق من التلاعب، وهذا هو مافعله المتأخرون في المذهب الحنفي([24]).

 

 

قلت: ويضاف إلى ذلك أمور أخرى، منها:

 حالات التعدد في الزواج: لقد أباح الله للرجل الزواج من أربع في قوله -عز وجل-: {فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ} [النساء:3]، وهـذا حكم عام في حق الـرجل أباح له التعدد، فإذا أخذ بهذه الإباحة اقتضى ذلك مسؤوليته في العدل بين زوجاته، بدليل قول الله -تعالى-: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً} [النساء:3]، والعدل هنا يقتضي تحريم التفاضل بينهن مما يقدر عليه الزوج من النفقة في المأكل والمشرب والملبس وسائر وجـوه النفقة، وهذا ما كان يفعله السلف الصالـح في العدل بين زوجاتهم حتى في النظرة والكلمة، مستهدين في ذلك برسول الله -ﷺ- في عدله بين زوجاته في كل أمر من أمور الزوجية، فإذا لم يقدر الزوج على هذا العدل-وخاصة النفقة-انتفت الحكمة من الرخصة، ووجب عليه الاقتصار على ما يقدر عليه؛ لأن تحمله ما لا يقدر عليه يؤدي إلى مفسدة، وقد علمنا وسمعنا عن أناس يعددون داخل بلادهم وخارجها، ثم لا يعطون نساءهم حقوقهن، فيحصل بسبب ذلك خلاف وشجار وقضايا لدى المحاكم، فإذا كان الحال كما ذكر من سوء معاملة الأزواج لزوجاتهم، وعدم قدرتهم على الإنفاق عليهن بات من الواجب السماح بالتعـدد عن طريق القضاء؛ لمعرفة مدى قدرة الراغب فيه على القيام بواجباته.

كثرة حالات الطلاق: لقد أباح الله -عز وجل- الطلاق في قوله -عز وجل: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ} [الطلاق:1]، وقوله -جل ثناؤه-: {الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ} [البقرة:229]، وجعل الوسيلة للطلاق باللفظ أو الكتابة أو بأي صورة أخرى معتبرة شرعًا، ولما قد ينشأ عن هذه الوسيلة من المفاسد بسبب ضعف الوازع الديني، وفساد أهل الزمان، وجرأة بعض الرجال على تذوق النساء، ثُمَّ طلاقِهِنَّ دون أن يكون لهم أصلًا رغبة في دوام الزواج واستقراره، وما ينتج عن ذلك من المفاسد الكثيرة، كعدم الرغبة في الزواج من المطلقة، وتشرد الأولاد، وحدوث البغضاء والقطيعة بينهم وبين أبيهم، الأمر الذي يستوجب إناطة الطلاق بالقضاء نفيًا للإضرار بعقد الزوجية.

نظارة الأوقاف: في الماضي كان الناظر على الوقف فردًا يتولى شؤونه، وينفذ وصية المُوقِفِ، وبسبب فساد أهل الزمان، وضعف الوازع الديني، وتهاون النظار في متابعة الأوقاف-خاصة إذا كانت متشعبة-يصبح من الواجب إناطة هذه النظارة بأكثر من فرد، فيقوم عليها إما عدة أفراد يشتركون في مسؤولية متابعتها وحمايتها، أو تناط النظارة بجمعية ذات تنظيم تقوم على رعايتها.

المنع من السفر إذا كان يؤدي إلى ضرر للمسافر أو غيره: الأصل أن السفر من المباحات، فيجوز للإنسان أن يسافر أَنَّى وأين ومتی شاء، فلا يجوز إذًا منعه منه؛ لأن ما أبيح له يعد حقا له، لا يجبره أحـد على تركه، ومع ذلك فقد يقتضي الأمر منعه منه بسبب ما يقع من فساد البلاد التي يريد السفر إليها، كما لو كانت تبيح المخدرات، أو تتساهل في منعها، أو كانت تبيح البغاء، أو تتساهل فيه؛ ممـا يجعل السفر إليهـا مظنة الخطر والضرر، خاصة إذا كان المسافرون من صغار السن والمراهقين الذين لا يدركون أخطاـر وآثار أفعالهم، ولهذا شاهِدٌ من فعل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حين رجع من سفره إلى الشام لما علم في الطريق أن الطاعون قد انتشر فيها، فأدرك -رضي الله عنه- الضرر الذي سيصيب الجند من هذا المرض، فرجع بهم، ولما قيل له في ذلك قال: “نفر من قدر الله إلى قدر الله”([25]).

تغير الأعراف:

للعرف أهمية كبرى في حياة الناس، فهو كثيرًا ما يحكم تصرفاتهم، فيحسبونه جـزءا من سلوكهم، بل إن منهم من يجرؤ على تجاوز حكم، ولا يجرؤ على تجاوز عرف، فإن فعل عد ناشزًا في محيطه، مستهجَنًا من قبل أقرانه، وهو نوعان: عرف عملي، وعرف قولي.

فالعملي: تعارف أهل مكان ما على طعام أو شراب معين، كالتعارف على شرب القهوة أو أي طعام بعينه.

والقولي: مجرد لفظ لشيء ينصرف ذهن السامع إليه بمجرد سماعه، فإذا قيل له عن الخبز مثلًا عرف أنه طعام يُحَضَّرُ من البر وغيره.

ويثبت حكـم العرف على أصحابه، فإذا كان عامًّا كعرف الناس على جعل المهر معجلا ومؤجلًا ثبت حكمه عليهم كلهم، وإن كان عرفًا خاصًّا كتعارف أهل مهنة على عرف بينهم ثبت حكمه عليهم، ومن ذلك: ما لو تعارف المحامون على وضع صندوق لهم يصرف منه على أحدهم في حال عجزه أو موته، فيثبت هذا الحكم عليهم، وهكذا.

وقد اهتم الفقه بالعرف، ورتب عليه الكثير من الأحكام الاجتهادية، وتغيرت الفتوى تبعًا لتغيره؛ لهذا أكد الفقهاء أهمية معرفة المفتي لما تعارف عليه الناس وقبلوه في التعامل بينهم، وهو ما يقال اليوم عن أهمية فقه الواقع، وقد أشار الإمـام ابن القيم إلى خطأ ارتكبه أحد المفتين، «فقد حدث أنْ قال رجل لامرأته: إن أذنت لك في الخروج إلى الحمام فأنت طالق، فتهيأت للخروج إلى الحمام، فقال لها: اخرجي وأبصري. وقد أفتاه المفتي أن امرأته قد طلقت منه، فقال الرجل للمفتي: بأي شيء أوقعت عليَّ الطلاق؟، قال: بقـولك لـهـا: اخرجي، فقال: إني لم أقل لهـا ذلك إذنًا، وإنمـا قلته تهديدًا، أي: أنكِ لا يمكنك الخروج، وهذا كقوله -تعالى-: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير} [فصلت:40]، فهل هذا إذن أن يعملوا ما شاؤوا؟، فقال: لا أدري، أنت لفظت بالإذن. فقال له: ما أردتُ الإذن. فلم يفقه المفتي هـذا، وغلظ حجابه عن إدراكه”.

ويقول الإمام ابن القيم: “وفرق بينه وبين امرأته مما لم يأذن به الله ورسوله ولا أحـد من أئمة الإسلام، وليت شعري هل يقول هذا المفتي: إن قوله -تعالى-:{فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29] إذن له في الكفر؟، وهؤلاء أبعد الناس عن الفهم عن الله ورسوله”([26]).

والأعراف التي تبنى عليها الأحكام كثيرة منها:

تعارف أهل بلد على جعل المهر معجلا ومؤجلا: ويجري العرف على هذا في بلاد الشام وغيرها، فإذا لم يذكر في العقد المهر المؤجل، واختلف الزوجان في ذلك ثبت الحكم به؛ لأن عرف الناس هناك قد استقر عليه في زيجاتهم، ونقيض هذا في بلد آخر يجري العرف فيه على مهر معجل فقط، فيثبت الحكم بعدمه في حال مطالبة الزوجة أو وليها به.

اتفاق العاقدين على عملية تجارية دون ذكر نوع العملة: إذا اتفق عاقدان في بلد ما على عملية تجارية، ولم يحددا نوع العملة في العقد، فادعي أحدهما أن المقصود عملة غير عملة البلد الذي تم فيه العقد، لم يقبل قوله، فيثبت الحكم بعملة هذا البلد؛ لأن من المفترض أن ذهن العاقدين قد انصرف إليها باعتبارهما يعرفانها، ناهيك أن العرف مستقر عليها، فيعرفها كل من كان مقيما في البلد.

بيع الدور: إذا باع رجل داره، فادعى المشتري أن البيع يشمل ما فيها من أثاث نظر إلى العرف، فإن كان يجري على بيعها غير مفروشة لم يقبل قوله؛ لأن العرف جرى على بيعها دون أثاثها؛ لأن الأثاث منفصل عن الدار، ولكن البيع يشمل ما لا ينفصل منها كخزان المياه والمصعد وموصلات الكهرباء وغيرها مما يعد في العرف من مكوناتها ومشمولاتها.

إجارة الشقق المفروشة: إذا استأجر أحـدهم شقة في حي أو مكان تؤجر فيه الشقق مع أثاثها، فوجدها على خلاف ذلك قُبِلَ قوله؛ لأن تأجير مثيلاتها عرف مستقر، فاقتضى ذلك ثبوت الحكم له بالإجارة مع الأثاث، ونقيض ذلك إذا جرى العرف على إجارة الشقق في الحي أو المكان دون أثاث لم يقبل قول المستأجر في حال مطالبته بتأثيثها؛ لأن المعروف عرفًا كالمشروط شرطًا”([27])، والثابت بالعرف كالثابت بالنص([28]).

أجرة الدلال: وهذا ممـا تختلف فيه الأعراف، فإذا كان العرف في مكان ما يجري على أن الدلال يأخذ أجرته من المشتري في حال الشراء ثبت الحكم بذلك على المشتري، وإن كان العرف يجري على أن يأخذ أجرته من البائع ثبت الحكم بذلك عليه.

ادعاء الزوجة طلاقها لورود لفظ الطلاق على لسان زوجها: إذا ادعت الزوجة أن زوجها قد طلقها لأنه حلف مثلًا بقوله: “عليَّ الحرام”، فالأصل الرجوع في ذلك إلى العرف السائد في المكان الذي جرى فيه اللفظ، فإن كان يجري على أن هذا اللفظ يعني الطلاق طلقت منه؛ لأن نيته انصرفت إليه، وإن كان هـذا اللفظ يجري على الألسن على أنه يمين ثبت الحكم بعدم الطلاق، ونظير هذا لو قال لزوجته: “هذه أختي”، فإن كان يقصد أنها أخته في الدين لم تحرم عليه، وإن كان يقصد أنها بمثابة أخته في القرابة حرمت عليه.

البيع دون ذكر الدفع: لو باع التاجـر سلعة، ولم يصرح بحلول أجل ثمنهـا من عدمه عـد ثمن السـلـعـة حالًّا، ما لم يكن العرف يقضي بتأجيل الدفع مدة معينة، كما هو الحال في التعامل بين الباعة الـكـبـار والباعـة الصـغار الذين يشترون منهم السلع، ويتأخرون في دفع ثمنها إلى حين التصفية كما يسمى.

العبرة بالشائع في التعامل: لو كان في بلد ما عملتان معتبرتان في التعامل، إحداهما عملة البلد نفسه، والثانية عملة بلد آخر كالدولار الأمريكي أو الين الياباني، واختلف البائع والمشتري حول أي من العملتين يجري بها الدفع في عملية تجارية تمت بينهما اعتبرت عملة البلد نفسه، ولو كانت هي الأضعف؛ لأن العرف يجري في زماننا أن العملة المحلية لها سيادة في مكانها، وضعفها وقوة غيرها من العملات لا يكون موجبًا للتعامل بغيرها في مكانها.

هذا وينبغي الإشارة إلى أن الحكم يتغير بتغير العرف، فالأعراف قد لا تستمر على حال، ذلك أن مفاهيم الناس وتطور زمانهم قد تجعل العرف مقبولًا في زمان، وغير مقبول في زمان آخر، فلو غير الناس عرفهم في بلاد الشام، فجعلوا المهر معجلا فحسب، أصبح ذلك حاكما لزيجاتهم، ولو شاع بين الناس عرف في بيع الدور مفروشة أصبح ذلك حاكمًا في إجارة هذه الدور، ولو تغير العرف، فأصبح الدلال يأخذ أجرته من البائع خلافا لما هو سائد الآن أصبح هذا العرف حاكمًا لهذه المسألة.

كمـا تنبغي الإشارة إلى أن حاكمية العـرف تكون عند فقد النص، أما إذا وجد نص شرعي فلا عبرة للعرف في مواجهته، وفي هذا قال الإمام ابن عابدين: “إذا خالف العرف الدليل الشرعي، فإن خالفه من كل وجه بأن لزم منه ترك النص، فلا شك في رده كتعارف الناس كثيرًا من المحرمات من الربا وشرب الخمر ولبس الحرير والذهب، وغير ذلك مما ورد تحريمه نصًّا، وإن لم يخالفه من كل وجه، بأن ورد الدليل عامـًّا، والعـرف خالفه في بعض أفراده، أو كان الدليل قياسًا، فإن العرف معتبر، وإن كان عامًّا فإن العرف العام يصلح مخصصًا، ويترك به القياس كما هو الحال في مسالة الاستصناع، وإن كان العرف خاصا فإنه لا يعتبر، وقد أفتى بعض المشايخ باعتباره([29]).

تغير الظروف والأحوال والوسائل:

للأزمنة وتغير أحوالهـا تأثير في حياة الناس، وقد تكون الأحوال المتغيرة نتيجة فساد في أهل الزمان كما سبق ذكر بعض الأمثلة عليه، وقد تكون نتيجة تطور في الوسائل المستجدة، ومن أمثلة ذلك في الماضي: ما فعله الخليفة عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- من الأمر بتدوين السنة النبوية، مع أن رسول الله -ﷺ- نهى أن يكتب عنه شيء خلاف القرآن بقوله: «من كتب عني غـيـر الـقـرآن فـلـيـمـحه»([30])، والعلة في تدوين السنة أن القرآن قد دون وحفظ، فلم يكن ثمة خشية من اختلاطه بالأحاديث، كما أن حفظة السـنة بدؤوا ينقرضـون، الأمر الذي سوف يترتب عليه ضياعها، فرأى عمر -رضي الله عنه- تدوينها.

والأمثلة في الحاضر كثيرة، منها مسألة: سفر المرأة دون محرم، وهذا الجـواز يدرك من فهم العلة في المنع؛ ذلك أن رسول الله -ﷺ- لما نهى أن تسافر المرأة بلا محرم([31]) كان يخشى من سفرها وحدها أو مع أجنبي؛ لأن أداة السفر كانت الدوابَّ، فلا بد أن يكون رديف المرأة إمـا محرمَهـا أو أجنبيًّا، وهذا لا يجوز، ناهيك أن مدة السفر كانت طويلة؛ لبطء الدواب في قطع المسافات الطويلة، ناهيك -أيضًا- أن هذه المسافات غالبا ما كانت غير آمنة، أما اليوم فقد تغيرت وسائل السفر، ففي الطائرة مقعد منفصل لكل راكب، وتقطع الطائرة المسافات الطويلة في بضع ساعات، وفي القطار وسيارات النقل الكبيرة مثل ذلك، ومع هذا التغير تنتفي الخشية على المرأة من سفرها بلا محرم، كما تنتفي -أيضًا- إذا وجدت رفقة من النساء معها.

ففي مذهب الإمام مالك: إذا وجدت المرأة صحبة مأمونة لـزمـهـا الحج، وليس المحرم من الاستطاعة؛ لأنه سـفر مفروض كـالـهـجـرة ولأن وجود من تأمنه، وتسكن إليه من النساء يقوم مقام المحرم([32]).

وفي مذهب الإمام الشافعي قال الإمام النووي: “لا يلزم المرأة الحج إلا إذا أمنت على نفسها بزوج أو محرم ولو نساءً ثقاتٍ، أو امـرأة واحدة، وقيل: إذا كان الطريق آمـنا جـاز من غير نساء”([33])؛ استدلالًا بحديث عدي بن حاتم أن رسول الله -ﷺ- قال: «حتى لتوشك الظعينة أن تخرج منها بغير جوار حتى تطوف بالكعبة»، قال عدي: فرأيت الظعينة تخرج من الحيرة حتى تطوف بالكعبة بغیر جوار([34]). ثم قال الإمام النووي: “ولأنها تصير مستطيعة بما ذكرناه، ولا تصير مستطيعة بغيره»([35]).

العاقلة: من الأمثلة على أن يعين الناس بعضهم بعضًا، وإن لم يكونوا أقارب، فكانوا هم العاقلة، وهذا أصح القولين، وأنها تختلف باختلاف الأحوال، وإلا فرجل قد سكن بالمغرب، وهناك من ينصره ويعينه، كيف تكون عاقلته بالمشرق في مملكة أخرى؟، ولعل أخباره قد انقطعت عنهم، والمراد يمكن حفظه للغائب، فإن النبي -ﷺ- قضى في المرأة القاتلة أن عقلها على عصبتها، وأن ميراثها لزوجها وبنيها، فالوارث غير العاقلة.

وكذا تأجيلها ثلاث سنين، فإن النبي -ﷺ- لم يؤجلها، بل قضى بها حالـة، وعمر أجلها ثلاث سنين، فكثير من الفقهاء يقولون: لا تكون مؤجلة كما قضى بها عمر، ويجعل ذلك بعضهم إجماعًا، وبعضهم قال: لا تكون إلا حالة، والصحيح أن تعجيلها وتأجيلها بحسب (الحال والمصلحة)، فإن كانوا مياسير، ولا ضرر عليهم في التعجيل، أخذت حالة، وإن كان في ذلك مشقة أجلت”. انتهى([36]).

قلت: وهـو الصحيح فالعاقلة كانوا في الماضي نصرة الرجل وفق نظام العائلة أو القبيلة أو العشيرة له، فكان له ما لهم، وعليه ما عليهم، أما في الزمن الحاضـر فلم يصبح هذا النظام قائمًا، فقد تفرعت العشائر والقبائل، وأصبح أفرادها غرباء عن بعضهم ناهيك بتباعد أمكنتهم، وتفرق أحوالهم، فاقتضى هـذا البحث عن معين آخر حسب الحال والمصلحة، وقد يكون هذا المعين إما القاتل نفسه إذا كان قادرًا، وإما من خلال جمعية خيرية تعاونية، أو من خلال تأمين تعاوني أساسه مجموعة من الأمة تبتغي التعاون وفقًا لما أمر الله به في قوله -عز وجل-: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2].

تقدير الدية: الأصل في الدية عند عامة الفقهاء الإبل([37])، ويرى الإمام أبو حنيفة ومالك أنها من الإبل أو الذهب أو الفضة([38])؛ لقول رسول الله -ﷺ-: «إن في النفس مئة من الإبل، وعلى أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الورِقِ اثنا عشر ألف درهم»([39]).

وعند الإمام الشافعي: الأصل في الدية الإبل لا غير([40]).

وعند الحنابلة وأبي يوسف: أن الدية هي من الإبل أو الذهب أو الورق أو الـبـقـر أو الغنم([41])؛ لما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: إن الإبل قد غلت، ففرضها على أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الورق اثني عشر ألفًا، وعلى أهل البقر مائتي بقرة، وعلى أهل الشاء ألفي شاة([42]).

ومن المشاهد أن أقيام بعض هذه الأجناس أصبحت غير مستقرة؛ فالإبل تتفاوت في أقيـامها وأنواعها وقوتها وضعفها، فمنها ما تصل قيمته عشرات بل مئات الآلاف من الدراهم، والبقر والغنم والذهب والفضة تتفاوت أقيامها حسب طبيعتها، ومن المعلوم أن الناس في هذا الزمـان يتعاملون بالأوراق النقدية، فلم تكن الإبل-بل ولا الذهب أو الفضة-أساسًا للتداول، فيقتضي الحال هنا تقدير الدية بمبلغ معلوم يراعى فيه تغير الظروف، وما يتعرض له ورثة المصاب من أضرار بسبب وفاة مورثهم، وانقطـاع رزقهم، وما يصيبهم من آلام ونحو ذلك مما ينبغي أن يكون محلا لتقدير جهات التنظيم والقضاء.

تغير الأمكنة:

للبيئة والأحوال الاجتماعية أثر في تغيير الاجتهاد بما يتفق مع هذه الأحوال، فمن المعلوم عقلًا أن الناس لا يتماثلون في سلوكهم أو تصرفاتهم، فالإنسان في البلاد الحارة قد يكون حاد الطبع والمزاج، خلاف الإنسان الذي يعيش في البلاد الباردة، وسلوك الإنسان ومزاجه وتصرفه في البيئة الغنية غير سلوكه عندما يكون في بيئة فقيرة، وقد يكون للمهن أثرٌ في السلوك، فالصناع لهم سلوك وتصرف يختلف عن سلوك الزراع، ومعلمو التلاميذ يختلفون في سلوكهم عن الكتبة ومن في حكمهم، ومع أن للوراثة والعقائد وغيرها آثارًا عامة في سلوك الإنسان، فلا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان، إلا أن هذه الآثار تنبثق من بيئته التي وجد فيها.

ومن الأمثلة الحية في ذلك: اجتهاد الإمام الشافعي، فعندما كان في العراق كان له اجتهادٌ عرف بـ”القول القديم”، وعندما استقر في مصر تغير هذا الاجتهاد، فعرف بـ”القول الجديد”، وفي هذا قال الإمام النووي: “كل مسألة فيها قولان للشافعي-رحمه الله -قديم وجديد فالجديد هو الصحيح، وعليه العمل؛ لأن القديم مرجوع عنه”([43])، وليس هذا خاصًّا بالإمام الشافعي، فلعل للبيئة التي وجد فيها عدد من الفقهاء أثرًا في اجتهادهم ومسائلهم كالإمام أبي حنيفة في العراق، والإمام مالك في المدينة، والإمام الأوزاعي في الشام، وهكذا.

قلت: وفي زمننا الحاضر هناك أمور تستدعي النظر فيها، ومن ذلك: مسألة زكاة الفطر، فعامة الفقهاء على أنها صاع من قوت المكان، فمن كان قوتهم الغالب الأرز أخرجت من الأرز، ومن كان غالب قوتهم البر أو التمر أخرجت منه، ولكن الأمر قد يختلف في البلاد التي لا يتحدد فيها قوت معين، ففي الغرب مثلًا قوت المكان غير معين بشكل قاطع، فجمع من الناس يأكلون في المطاعم أكلات مختلفة، وجمع يأكلون في بيوتهم أكلات مختلفة كالخضروات واللحوم ونحـوها، وقد تكون الحـاجة حينئذ أدعى لإخراجها نقودًا لمن يستحقها؛ لأن ذلك أنفع له من طعام غير مألوف أو غير معتاد في مكانه.

ومن هذه الأمثلة: ستر الوجه للمرأة المسلمة، فإذا قيل بوجوب ستره في بلدها المسلم فإن هذا لا يتيسر لها في بلد غير مسلم؛ لأنها بهذا السـتـر تكون متميزة عن نساء أهل ذلك البلد، فينالها من ذلك أنواع من الأذى، فقد يكون الأفضل لها حينئذ الاكتفاء بستر شعرها دون الوجه، بحسب ذلك أدنى الضررين.

قلت: ولا يظن أحد أن القول بتغير الاجتهاد تبعًا للمكان يعد تعددًا في الأحكام، أو تغييرًا فيها، وإنما المقصود هو الاجتهاد فيها في إطار الشريعة، فالمقصود من زكاة الفطر نفع من يستحقها؛ لقول رسول الله -ﷺ-: «أغـنـوهـم فـي هـذا الـيـوم»([44])، فإذا كان دفع هذه الزكاة من نقود أنفع له فهذا هو غاية الشريعة، خاصة عندما لا يتيسر إلا هذه النقود بحكم عرف المكان.

مقتضيات الضرورة:

الضرورة مشتقة من الاضطرار، وقد عرفها الجرجاني بأنها: “النوازل مما لا مدفع له”([45]).

وتقع نـوازل الضرورة وحالاتها دون أن يكون لمن نزلت به رغبة أو مراد منها، فهي من باب البلوى التي تسبب للمنزول به العسر والضيق مما لا مخرج له منها إلا بارتكاب ما حرم الله عليه، ويمكن إيراد أمثلة منها في الحالات التالية:

-الخوف من هلاك النفس.

الإكراه.

كشف العورة.

التعدي على مال الغير.

الخوف من هلاك النفس: قد تتعرض النفس للهلاك بسبب فقدان ما تحتاجه لقوامها كحال الجوع، فيضطر الجائع إلى أكل الميتة أو لحم ما هو محرم عليه كالخنزير، أو ذوات الناب من السباع، أو ذوات المخلب من الطيور، أو يضطر من يأكل إلى دفع غصته بما هو محرم عـلـيـه كـالـخـمـر، ونحو ذلك من الأسباب التي تؤدي بالنفس إلى الهلاك، فلا يكون لصاحبهـا إلا تناول المحرم رغم كرهه له، وعدم رغبته فيه؛ لمعرفته بتحريمه.

والأصل في إباحة أكل المحـرم للمضطر إليه الكتاب والسنة والإجماع والمعقول:

أما الكتاب: فقول الله -تعالى-: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيم} [البقرة:173]، وقوله -عز وجل-: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيم} [المائدة:3]، وقوله -جل ثناؤه-: {وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام:119].

وأما السنة: فما رواه جابر بن سمرة -رضي الله عنه-: أن أهل بيت كانوا بالحـرة محتاجين، فماتت عندهم ناقـة لهم أو لغيرهم، فرخص لهم رسول الله -ﷺ- في أكلها، قال: فعصمتهم بقية شتائهم أو سنتهم([46])، وما رواه أحمد عن أبي واقد الليثي أنهم قالوا: يا رسـول الله! إنا بـأرض يصيبنا بها المخمصة، فمتى يحل لنا الميتة؟، قال: «إذا لم تـصـطـبـحـوا، ولـم تـغـتـبـقـوا، ولم تحـتـفـئـوا بـهـا بـقـلًا، فشأنكم بها»([47])، ومـا ذكره عباد بن شرحبيل قـال: أصابنا عام مخمصة، فأتيت المدينة، فأتيت حائطأ من حيطانها، فأخذت سنبلًا، ففركته، وأكلته، وجعلته في كسائي، فجاء صاحب الحائط، فضربني، وأخذ ثوبي، فأتيت رسول الله -ﷺ-، فـأخـبـرته، فقال للرجل: «ما أطعمته إذْ كان جائعًا أو ساغبًا، ولا علمته إذ كان جاهلًا»، فأمره النبي فرد إليه الثوب، وأمر بوسق من طعام أو نصف وسق([48]).

وأما الإجماع: فإن الأمة مجمعة بحكم هذه الأحكام على أنه يجوز للمضطر أكل أو شرب ما حرم الله عليه كالميتة أو الخمر إذا لم يجد مدفعًا لإنقاذ نفسه إلا بهذا المحرم.

وأما المعقول: فإن الأحكام التي وضعها الله لعباده لم تشرع للتضييق عليهم، بل جاءت لرفع الحرج والعسر عنهم، فإذا نزلت بهم نازلة فيها حرج أو عسر تحولت الأحكام إلى يسر وتخفيف.

وإذا ضاقت بهم ضائقة من أمـورهم اتسعت الأحكام أمامهم؛ لأن مبنى أحكام الله قائم على اليسر، ورفع الحرج عن عباده، وقد اتفق الفقهاء على إباحة أكل الميتة وما في حكمها لمن اضطر إليه أخذا بدلالة الكتاب والسنة مما سبقت الإشارة إليه، ففي مذهب الإمام أبي حنيفة: أن الله -تعالى- ذكر الضرورة في كتابه، وأطلق الإباحة في بعضـها بوجود الضرورة من غير شرط ولا صفة، وهو قوله: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ}.

فاقتضى ذلك وجود الإباحة بوجود الضرورة في كل حال وجدت الضرورة فيها، وفي المذهب رد على من قيد الإباحة بعدم البغي أو السفر لمعصية([49])، والحجة في ذلك أن قول الله -تعالى-: {إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} يوجب الإباحة للجميع من المطيعين والعصاة، وأما قول الله -تعالى-: {غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ} وقوله:{غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ} لما كان محتملًا أن يريد به البغي والعدوان في الأكل، واحتمل البغي على الإمام أو غيره لم يجز تخصيص عموم الآية الأخرى بالاحتمال بين الواجب حمله على ما يواطئ معنى العموم من غير تخصيص..، فثبت بذلك أن قول الله: {غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ} لم يرد به انتفاء البغي والعدوان في سائر الوجوه، وليس في الآية ذكر شيء منه مخصوص، فيوجب ذلك كون اللفظ مجملًا مفتقرًا إلى البيان، فلا يجوز تخصيص الآية الأولى بـه؛ لتعذر استعماله على حقيقته وظاهره.

وفي المذهب -أيضًا-: أن من امتنع من المباح حتى مات كان قاتلًا لنفسه، متلفًا لها، ولا يختلف في ذلك العاصي والمطيع، بل يكون امتناعه عند ذلك من الأكل زيادة على عصيانه، فوجب أن يكون حكمه وحكم المطيع سواءً في استباحة الأكل عند الضرورة([50]).

وفي مذهب الإمام مالك: أن الجـوع من الاضطرار-وهو من صيـره العـدم إلى ذلك-، والمخمصـة-إما أن تكون دائمـة أو غير دائمة، فإن كانت دائمة فلا خلاف في جواز الشبع من الميتة، وإن كانت غير دائمـة أو نادرة فقيل: عليه أن يأكل ويشبع، وقيل: يأكل على قدر سد الرمق. والاضطرار إلى الميتة مقيد بعدم وجود غيرها، فلو وجـد المضطر مال مسلم لا يخاف فيه قطعًا كحـال التمر المعلق وحريسة الجبل([51]) ونحو ذلك مما لا قطع فيه ولا أذى، لم يحل له أكل الميتة، ودليل ذلك حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: بينما نحن مع رسول الله -ﷺ- في سفر إذ رأينا إبلا مصرورة بعضاه الشجر([52])، فثبنا إليها، فنادانا رسول الله -ﷺ-، فرجعنا إليه، فقال: «إن هذه الإبل لأهل بيت من المسلمين، هو قوتهم ويمنهم بعد الله، أيسرُّكم لو رجعتم إلى مزاودكم، فوجدتم ما فيها قد ذهب به؟، أترون ذلك عدلًا»؟، قالوا: لا، فقال: «إن هذه كذلك»، قلنا: أفرأيت إن احتجنا إلى الطعام والشراب؟، فقال: «كُلْ ولا تحمل، واشرب ولا تحمل»([53]).

وفي مذهب الإمام الشافعي: من خـاف على نفسه من الموت أو الرض المخوف، ووجد طعامًا محرمًا لزمه أكله بما يسد رمقه إذا توقع طعامًا حلالًا قريبًا منه، وإلا فله الشبع من الطعام المحرم، ولو وجد من يطعمه ويسقيه لم يجز له الامتناع إلا في حالة كون الطعام أو الشراب مسموما، فعندئذ يجب عليه تركه وأكل الميتة.

هذا في الطعام، أما في الشراب فالصحيح من المذهب تحريم الخمر للتداوي، أو لدفع العطش، وفيه خلاف حول دفعها للعطش، فالمشهور عن الإمام وعدد من أصحابه أنها لا تسكن العطش، بل تزيده؛ لأن من عادة شاربي الخمر الإكثار من شرب الماء، وقال الإمام الغزالي والإمام الجويني بخلاف ذلك، أي: تسكن العطش، فلا يكون استعمالها في حكم العلاج([54]).

وفي مذهب الإمام أحمـد: من اضطر إلى الميتة فيباح له أكل ما يسد الرمق، ويأمن معه الموت، ويحرم مـا زاد على الشبع، فالضرورة المبيحة هي التي يُخاف التلف بها إن ترك الأكل.

قال الإمام أحمد: إذا كان يخشى على نفسه، سواءٌ كان من جوع، أو يخاف إن ترك الأكل عجز عن المشي، وانقطع عن الرفقة فيهلك، أو يعجز عن الركوب فيهلك، ولا يتقيد ذلك بزمن محصور، وإباحة المحرمات في حال الاضطرار مطلقة في السفر والحضر جميعًا؛ لأن آية الإباحة مطلقة غير مقيدة، والإباحة ليست -أيضًا- مقيدة بالأكل من الميتة، بل يباح الشراب من المحرم لدفع غصة وعطش، وطفي حريق، وكل مائع نجس([55]).

– الإكراه: حمل المرء على القيام بعمل لا يرغب فيه أو يرضاه، فيفعله بحكم الخوف على نفسه، وعدم قدرته على منعه([56])، وإذا كان القصد من الإكراه العدوان والظلم فهو محرم؛ لأن الله حرم الظلم على نفسه، وحرمه على عباده، ففي الحديث القدسي: «يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي، وجـعـلـتـه بـيـنـكـم مـحـرمًا، فلا تظالموا»([57])، كما أن الله حرم العدوان في قوله -عز وجل-: {وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِين} [المائدة:87].

ويعد الإكراه من أحكام الضرورة، وهو على قسمين:

الأول: ما مناطه حق الله، وقد استثناه الله في قوله -عز وجل-: {مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيم} [النحل:106]، وقد نزلت هذه الآية في عمار بن ياسر -رضي الله عنه- حين أخذه المشركون، وعذبوه حتى قاربهم في بعض ما أرادوا منه، فشكا ذلك لرسول الله -ﷺ-، فقال له -عليه الصلاة والسلام-: «كيف تجد قلبك»؟، قال: مطمئنا بالإيمان، فقال رسول الله -ﷺ-: «إن عادوا فعُدْ»([58])، وهذا في حال ما إذا كان المكره -بفتح الراء- لا يقدر على ما يناله من الأذى، فتتعرض نفسه بسبب ذلك للهلاك، أما إذا كان يقدر على مغالبة ما يناله من الأذى فيجب عليه الصبر والاحتساب، وهذا هو ما فعله بلال -رضي الله عنه- حين فعل به المشركون ما فعلوه من العـذاب، فوضعوا الصخرة الكبيرة على صدره، وأمروه بالشرك بالله، ورغم ما كان فيه من العذاب فقد أبي أن يجيبهم إلى ما أرادوا، وكان يقول: أحد أحد، ويقول: والله لو أعلم كلمة هي أغيظ لكم منها لقلتها، ومثله -أيضًا- حبيب بن زيد الأنصاري، فقد قال له مسيلمة الكذاب: أتشهد أن محمدًا رسول الله؟، فيقول: نعم!، فيقول: أتشهد أني رسـول الله؟، فيقول: لا أسمع، فلم يزل مسيلمة يقطعه إربا إربا وحبيب -رضي الله عنه- ثابت على دينه([59]).

القسم الثاني: الإكراه في حق الغير: قد يكون الإكراه على فعل مناطه حق الغير، فيكره المأمور على القتل، أو على ارتكاب أي فعل يضر به كالزنا أو الطلاق، أو الإقرار بشيء لا يجب عليه أن يقر به.

وقد تعرض الفقهاء لهذه المسائل مع تباين في الرأي حولها:

 ففي مذهب الإمام أبي حنيفة: إذا كان الإكراه على القتل فلا يعد ذلك رخصة له؛ لأن مفسدة من قتل نفسه أخف من مفسدة قتل غيره، فكما أن نفسه معصومة فإن نفس غيره معصومة بنفس الدرجة، فلا يجوز للإنسان دفع الضرر عن نفسه بإيقاعه على غيره، فإن فعل كان آثما، ووجب عقاب الحامل له على هذا الفعل، وإذا كان الإكراه على الاعتراف بزواج أو مال أو طلاق كان أثره باطلًا؛ لأنه قصد بإقراره دفع الضرر عن نفسه، وإن كان الفعل المكره عليه يتعلق بالتصرفات أو العقود كالإجارة والبيع ونحو ذلك، وأقر بذلك المكره -بالفتح- كان إقراره فاسدًا، وإن كان الإكراه يتعلق بأفعال تعد من الضرورة كأكل لحم الميتة وشرب الخمر فيجب على المكره ارتكاب أخف الضررين، بل يجب عليه فعلها إذا كان يترتب على عدم فعله قتل نفسه، أو قطع عضو من أعضائه.

وفي مذهب الإمام مالك: إن كان الإكراه على الكفر أو الـزنا بامرأة طائعة غير متزوجة فلا يجوز للمكره – بالفتح – فعل شيء من ذلك إلا في حالة التهديد بالقتل، فإن فعل ذلك عُدَّ مرتدًّا، ويحد في القذف والزنا، وإن كان الإكراه على الإقرار أو اليمين لم يلزمه شيء، وإن كان الإكراه على قتل مسلم، أو قطع عضو من أعضائه، أو الإكراه على الزنا بامرأة مكرهة، أو أمـرأة لها زوج؛ لم يحل للمكره – بالفتح- فعل شيء من ذلك، ولو كان الإكراه بالقتل فإن قتل اقتص منه، وإن زنى وجب عليه الحـد، وإن كان الإكراه على فعل معصية – غير الكفر – كشرب الخمر أو ترك الصوم والصلاة فيتحقق أثر الإكراه، سواء بالقتل أو غيره، وعلى المكره -بالفتح – قضاء الصـوم، ويسقط عنه الحد في شرب الخمر، وتسقط عنه الصلاة، ولا يسقط عنه وجوبها([60]).

وفي مذهب الإمام الشافعي: للإكراه نوعان: إكراه بالفعل، وإكراه بالقول، فإذا كان الإكراه بالقتل أو إتلاف المال وجب على المكره -بالفتح- القصاص أو الضمان، وإن كان الإكراه على الزنا فيأثم – المكره -بالفتح-، ويسقط عنه الحد للشبهة، وإن كان الإكراه على الصلة فتبطل، وإذا كان الإكراه بالقول كالعقد فلا يصح بدليـل حديث رسول الله -ﷺ-: «إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه»([61]).

وفي مذهب الإمام أحـمـد: إذا كان الإكراه على القتل وجب القصاص على المكره –بالفتح- وعلى المكره -بالكسر-، وإن كانت الدية هي الجزاء وجبت عليهما، وإن كان الإكراه على الكفر فلا يعد المكره -بالفتح – مرتدًّا، وإنما يجب عليه إظهار إسلامه متى زال عنه الإكراه، وإن كان الإكراه على القول فيعد تصرف المكره باطلًا باستثناء النكاح، فيكون صحيحًا مع الإكراه، أما الطلاق فلا يقع؛ لقول رسول الله -ﷺ-: «لا طلاق ولا عتاق في إغلاق»([62]).

كشف العورة: الأصل ستر عورة الإنسان عن غيره، فهي للرجل من سرته إلى ركبتيه، أمـا المرأة فكلها عورة، والأصل في ذلك ما رواه بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، قال: قلت: يا رسـول الله! عوراتنا وما نأتي منها وما نذر؟ قال: (احتفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك»، قلت: يا رسول الله! فإذا كان القوم بعضهم في بعض؟، قال: «إن استطعت ألا يراها أحـد فـلا يـريـنـها»، قلت: فإذا كان أحدنا خاليا؟، قال: «فالله -تبارك وتعالى- أحق أن يستحيا منه»([63])، وما رواه -أيضًا- أبو هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -ﷺ- قال: «لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا تـنـظـر المـرأة إلى عورة المرأة»([64])، وما رواه -أيضًا- علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أن رسول الله -ﷺ- قال: «لا تبرز فخذك، ولا تنظر إلى فخذ حي أو ميت»([65]).

فدل هذا على وجوب ستر العورة؛ لأن هذا الستر مما تقتضيه فطرة الإنسان؛ لحفظ آدميته من الابتذال، وهذا هو ما أراده إبليس لآدم وزوجه حين نصحهما بالأكل من الشجرة التي نُهيا عنها، وكان مراده إظهار عورتهما خلافًا للفطرة التي فطرهما الله عليها، وفي هذا قال الله -عز و جل-: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا} [الأعراف:20]، وهذا الستر لا ينفك عن الحي أو الميت، فهما فيه سواء؛ ذلك أن آدمية الإنسان تبقى معه إلى حين بعثه، وهذا هو ما أمر به رسول الله -ﷺ- في قوله: «كسر عـظـم المـيـت كـكـسـره حـيـا»([66])، وهو ما أوصت به فاطمة -رضي الله عنها- لحفظ آدميتها بعد موتها حين قالت لأسـماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما-: يا أسماء! إني قد استقبحت ما يُصنع بالنساء أن يطرح على المرأة ثوب فيصفها، فقالت أسماء: يا ابنة رسول الله! ألا أريك شيئًا رأيته بالحبشة؟. فدعت بجرائد رطبة، فحَنَتْها، ثم طرحت عليها ثوبًا، فقالت فاطمة: ما أحسن هذا وأجمله! تعرف به المرأة من الرجل، فإذا مت فاغسليني أنت وعليٌّ، ولا يدخل عليَّ أحدٌ([67]).

ولا يستثنى من كشف العورة إلا ما تقتضيه الضرورة كالتداوي؛ لمناطه بحفظ النفس، وفي هذا التداوي عدة مسائل:

الأولى: الأصل أن يكون الاطلاع على عورة المرأة مما تختص به المرأة؛ لأن ذلك أخف بحسب المجانسة بينهما، ولهذا يجب على بنات المسلمين تعلُّم الطب؛ لمداواة أخواتهن، وقد يكون هذا الوجوب وجوب عين عندما تحجم النساء عن هـذا العلم؛ لأن ترك مداواة النساء للرجال أشد ضررا من الإحجام عن تعلم الطب بحجة أن الذي يعلمه رجال لا يجوز للمرأة الاختلاط معهم، كما هي حجة بعض إخواننا القائلين بهذا الرأي.

المسألة الثانية: أنه لا يجوز للمرأة أن تنظر من أختها عند المداواة إلا ما هو محل للتداوي.

المسألة الثالثة: إذا فُقدت الطبيبة، وخيف على المرأة من الضرر جاز للضرورة كشف عورتها للطبيب المسلم فحسب، فإن لم يكن وخيف عليها -أيضًا- من الضرر جاز كشفها للطبيب غير المسلم.

المسألة الرابعة: لا يجوز للطبيب أن يكشف من العورة إلا موضع الألم أو الجرح.

المسألة الخامسة: في حالات التخدير للعمليات الجراحية لا يجوز للطبيب ومساعديه النظر إلى عورة المرأة، بل يجب على الجهة التي تتم فيها العمليات ستـر بدن المرأة إلا ما تقتضيه العملية، وينبني على هذا أن كشف جميع بدن المرأة أثناء العملية مما لا يجوز، ويعد محلا لمساءلة من يتعمد أو يهمل في ذلك؛ لأن الثابت بالضرورة لا يعدو موضع الضرورة، حيث إن العلة هي (الضرورة)، والحكم لا يزيد على قدر العلة([68]).

التعدي على مال الغير: الأصل ألا يتعدى أحد على مال غيره إلا إذا أذن له فيه، فإن لم يأذن له عُدَّ المتعدي سارقا؛ لأنه تعدى على ما هو محرم عليه؛ لقول رسول الله -ﷺ-: «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام»([69]).

ويستثنى من هذا التحريم ما تقتضيه الضرورة لإنقاذ النفس من الهلاك، فمن تعدى على مال غيره لدفع الجوع عن نفسه، وإنقاذها من الهلاك، ولم يكن له وسيلة غير هذا، فلا شيء عليه؛ لأن عمر -رضي الله عنه- لم يقطع في السرقة لما أصاب الناس الجوع عام الرمادة، ولما رفع إليه أن رجـالًا لحاطب سرقوا ناقة لرجل من مزينة، فانتحروها، قال لصاحبهم: أراك تجيعهم! ثم قال: والله لأغرمنك غرما يشق عليك، ثم أعطى المزني ثمن ناقته([70]).

ويلحق بالضرورة إذا كان في المال المتعدي عليه حق أو شبهة أو دليل للـمـتـعـدي، ومن ذلك: تعـدي الوالدين على مال أولادهم؛ لكونهم جزءًا منهم، كما قال رسول الله -ﷺ- للذي شكا من تعدي أبيه على ماله بقوله: «أنت ومالك لأبيك»([71])، ومثلهم أصولهم من الأجداد والجدات، كما يلحق بهذا تعدي الزوجات على مال أزواجهن لدواعي النفقة ونحوها؛ لقول رسول الله -ﷺ- لهند بنت عتبة زوجة أبي سفيان: «خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف»([72]).

كما يستثنى من حرمة التعدي على مال الغير وجود حق أو شبهة للمتعدي، سواء كان هذا الحق عاما كالزكاة أو بيت المال، أم كان هذا الحق خاصًّا، كمن هو مستحق للنفقة كما ذكر، أو الدائن تجاه مدينه، أو الأجير تجاه آجره.

وقد تعرض الفقهاء -رحمهم الله – للاستثناءات من حرمة المال، فقالوا بعدم جواز عقوبة القطع فيها:

ففي مذهب الإمام أبي حنيفة: أن من كان له على آخـر دراهم، فسـرق منه مثـلهـا لم يقطع([73]).

وفي مذهب الإمام مالك: عدم جواز القطع إذا كان في المال شبهة الاستحقاق، كمستحق الدين إذا سرق من مدينه المماطل جنس حقه، ومستحق الرهن من مرتهنه، ومستحق الأجرة من مستأجره، ومن سرق شيئا له فيه نصيب([74]).

ومثل هذا في مذهب الإمامين: الشافعي وأحمد([75]).

قلت: والاستثناء من عقوبة التعدي (القطع في السرقة) لا ينفي ما قد يترتب من جـزاء على المتعدي، وعلى وجه الخصوص مـن يتعدى على بيت المال أو الدائن إذا زاد في الأخذ من مدينه أكثر من حقه، أو أخذ الأجير من مستأجره أكثر من حقه، وهكذا.

والله المستعان.

 

([1]) أخرجه أبو داود في كتاب الملاحم، باب الأمر والنهي، سنن أبي داود، ج4 ص۱۲۱- ۱۲۲، برقم،(4337-4336) ، حسنه الألباني في صحيح الترمذي، (٢١٦٩).

([2]) إعلام الموقعين لابن القيم ج3 ص5.

 

([3]) أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، صحيح مسلم مع شرحه إكمال إكمال المعلم للأبي، ج۸ ص ٥٣١-٥٣٤ برقم (٢٥٧٧).

([4]) أخرجه الإمام أحمد في المسند ج 6ص۱۱6، حسن إسناده السخاوي في المقاصد الحسنة، (١٣٦).

([5]) أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنة رسول الله-ﷺ-، فتح الباري للحافظ ابن حجر العسقلاني، ج۱۳ ص ٢٦٤، برقم (۷۲۸۸).

([6]) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب الدين يسر، فتح الباری، ج١ص116، برقم (۳۹).

([7]) أخرجه مسلم في كتاب الأشـربة، باب بيان أن كل مسكر خمر، وان كل خمر حرام، صحيح مسلم مع شرحه إكمال إكمال المعلم الابي، ج۷ ص۱۰۰، برقم. (1733)

([8]) إعلام الموقعين لابن القيم، ج۳ ص ۳.

([9]) أخرجه البخاري في كتاب اللقطة، باب ضالة الإبل، وضالة الغنم، فتح الباري ج5 ص9٦، ۱۰۰، برقم (٢٤٢٧،٢٤٢٨).

([10]) المدخل الفقهي العام للزرقا، ج۲ ص۹۳۲.

([11]) انظر: السنن الكبرى للبيهقي، ج۷ ص۱۷۲، ومصنف ابن أبي شيبة، ج4 ص159.

([12]) مجلة الأحكام العدلية، المادة 596، ومجموعة رسائل ابن عابدین ج۲ ص ١٢٤.

([13]) مجموعة رسائل ابن عابدين – رسالة في نشر العرف ج۲ ص١٢٤.

([14]) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع الكاساني، ج4 ص۱۹۱.

([15]) بدائع الصنائع ج4 ص۲۱۱، ودرر الحكام ج1 ص597، ومغني المحتاج للشربيني ج٢ ص٣٥١-٣٥٢، ومجموعة رسائل ابن عابدين – رسالة نشر العرف ج۲ ص ١۲۳-١٢٤.

([16]) أخرجه البخاري (٩٠٠)، ومسلم (٤٤٢)، أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب ما جاء في خروج النساء إلى المسجد، سنن أبي داود، ج۱ ص١٥٥، برقم (566، 567).

([17]) بدائع الصنائع ج4 ص155، والبناية شرح الهداية لبدر الدين العيني ج۲ ص٣٢٤، وإعلان السنن لظفر أحمد العثماني، ج4 ص٢٤٢-٢٤٤.

([18]) أخرجه الألباني في صحيح سنن أبي داود، ج۲ ص٦٦٠، برقم (٢٩٤٥).

([19]) صحيح، أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجة، انظر: غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام للألباني، ص۱۹۸، برقم (۳۳۰).

([20]) المنتقى شرح الموطأ، ج5 ص١٩، ومواهب الجليل ج4 ص ٣٨٠، والاختيار لتعليل المختارج4 ص ١٦١، والفتاوى الهندية ج3 ص٢١٤.

([21]) أخرجه الإمام مالك في الموطأ، كتاب الجامع، باب ما جاء في المهاجرة، الموطأ، رواية الليثي ص ٦٥٣، برقم (١٦٤٢)، ضعفه الألباني في هداية الرواة، (٤٦١٩).

([22]) أخرجه البخاري في كتاب الهبة، باب من لم يقبل الهدية لعلة، فتح الباري، ج 5 ص٢٦٠-٢٦١، برقم (٢٥٩٧).

([23]) أخرجه البيهقي في كتاب الشهادات، باب التحفظ في الشهادة والعلم بها، وقال: “ولم يرد من وجه يعتمد عليه”. السنن الكبری، ج۱۰ ص156، والحاكم في المستدرك وصححه ج4ص98-99.

([24]) شرح مجلة الأحكام العدلية لعلي حيدر، الكتاب الأول، المادة 39 ص ٤٣.

([25]) فتح الباري ج۱۰ ص۱۸۹، کتاب الطب، باب ما يذكر في الطاعون، برقم (٥٧٢٩).

([26]) إعلام الموقعين عن رب العالمين، ج۳ ص ٦٣.

([27]) درر الحكام شرح مجلة الأحكام، ج1 ص46، المادة 43.

([28]) درر الحكام ج 1 ص٤٦.

([29]) مجموعة رسائل ابن عابدین، ج2 ص١١٤.

([30]) أخرجه مسلم في كتاب الزهد والرقائق، باب التثبت في الحديث، وحكم كتابة العلم، صحيح مسلم مع شرحه إكمال إكمال المعلم للأبي، ج۹ ص ٤٧٠، برقم (٣٠٠٤).

([31]) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب من اكتتب في جيش، فخرجت امرأته حاجَّةً، أو كان له عذر؟، فتح الباري، ج6 ص١٦٦، برقم (٣٠٠٦).

([32]) المعونة على مذهب عالم المدينة للقاضي عبد الوهاب البغدادي، ج۱ ص٥۰۱.

([33]) المجموع شرح المهذب للإمام النووي، ج۷ ص٨٦.

([34]) أخرجه البخاري (٣٥٩٥)، ومسلم (١٠١٦)، أخرجه الإمام أحمد في المسند، ج4 ص٢٥٧.

([35]) المجموع شرح المهذب، ج۷ ص٨٦.

 

([36]) مجموع الفتاوى، ج۱۹ ص٢٥٦-٢٥٧.

([37]) بدائع الصنائع ج۷ ص ٢٥٣-٢٥٤، والفواكه الدواني ج۲ ص ٢٥٧، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير ج4 ص٢٦٦، ومغني المحتاج ج4 ص ٥٥-٥٦، وكشاف القناع ج6 ص18-19.

([38]) بدائع الصنائع ج۷ ص ٢٥٣، وحاشية الدسوقي ج4 ص٢٦٦.

([39]) أخرجه النسائي في كتاب العقول، باب ذکر حدیث عمرو بن حزم في العقول، واختلاف الناقلين له، سنن النسائي ج8 ص ٥٧-٦١، قال شعيب الأرنؤوط في تخريج صحيح ابن حبان، (٧٢٦٨): إسناده صحيح على شرط مسلم.

([40]) مغني المحتاج، ج4 ص ٥٥-٥٦

([41]) بدائع الصنائع ج۷ ص ٢٥٣-٢٥٤، وكشاف القناع ج6 ص ۱۸-۱۹.

([42]) أخرجه أبو دواد في كتاب الديات، باب الدية كم هي؟، سنن أبي داود، ج4 ص۱۸4برقم (٤٥٤٢)، صححه الألباني في صحيح أبي داود، (٤٥٤٢).

 

([43]) المجموع شرح المهذب، ج1 ص66.

([44]) سنن الدارقطنی، ج۲ ص153، ضعفه الألباني في تمام المنة،(٣٨٨.

([45]) کتاب التعريفات ص143، وقال الجبائي: “إن المضطر هو الذي فعل فيه غيره فعلاً، ويرد المضطر في اللغة على معنيين: أحدهما مكتسب الضرر، والثاني مكتسب دفعه”. أحكام القرآن لأبي بكر محمد بن عبد الله المعروف بابن العربي، ج1 ص55.

([46]) صحيح سنن أبي داود للألباني، ج۲ ص٧٢٤، برقم (٣٢٣٤).

([47]) قال ابن كثير في تفسير القرآن العظيم، ج۲ ص١٤: “تفرد به أحمد من هذا الوجه، وهو إسناد صحيح على شرط الشيخين”.

([48]) صحیح سنن ابن ماجة للألباني، ج۲ ص۳۱، برقم (١٨٦١).

([49]) قال بعدم جواز أكل الميتة للبغاة ومن يسافر في معصية كل من مجاهد وسعيد بن جبير والإمام الشافعي.

([50]) أحكام القرآن للجصاص، ج۱ ص١٥٦،١٥٧، والأشباه والنظائر لابن نجيم ص ٨٥.

([51]) حريسة الجيل:الشاة التي تسرق في الليل.

([52]) ومعنى مصرورة بعضاه الشجر أي مربوطة ضروعها.

([53]) ضعيف سنن ابن ماجة للألباني، ص۱۷۸، برقم (505)، وقال: “ضعيف”، وانظر في مذهب الإمام مالك: الجامع لاحكام القرآن للإمام القرطبي، ج۲ ص٢٣٥، وأحكام القرآن لابن العربي، ج1 ص ٥٤-٥٦.

([54]) المجموع شرح المهذب للإمام النووي، ج۹ ص ٥٠-٥١، وانظر: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج للشربيني الخطيب، ج4 ص ٣٠٦-٣٠٧، والمهذب في فقه الإمام الشافعي للشيرازي، ج1 ص٢٥٠.

([55]) المغني والشرح الكبير للإمام ابن قدامة، ج11 ص٧٤-٧٥، وانظر: كتاب الفروع لابن مفلح، ج۲ ص ١٦٧، وكشاف القناع عن متن الإقناع للبهوتي، ج6 ص۱۱۷.

([56]) التعريفات للجرجاني ص٣٤.

([57]) أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، صحيح مسلم مع شرحه إكمال إكمال المعلم ج٨ ص 5۳۲، برقم (٢٥٧٧).

([58]) تفسير القرآن العظيم، ج۲ ص 56۸، رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين، (٣٤٠٥)، وقال: صحيح على شرط الشيخين.

([59]) تفسير القرآن العظيم ج2 ص 568.

([60]) المبسوط السرخسی ج۲4 ص5۲، وحاشية ابن عابدين، ج4 ص4، وج5 ص ۸۳.

([61]) قليوبي وعميرة، ج۲ ص156، والأشباه والنظائر للسيوطي ص۱۸۷-۱۸۲، والحديث أخرجه ابن ماجة في كتاب الطلاق، صحيح سنن ابن ماجة للألباني، ج۱ ص ٣٤٨، برقم(1664).

([62]) المغني لابن قدامة، ج7 ص ٦٤٥، والحديث أخرجه ابن ماجة، وقال الألباني في صحيح سن ابن ماجه، ج۱ ص ٣٤٨: “صحیح”، برقم (١٦٦٥).

([63]) أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة والحاكم، وحسنه الألباني في غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام، ص60، برقم (۷0).

([64]) صحيح سنن ابن ماجة للألباني ج۱ ص۱۹، برقم (٥٣٨) وقال: “صحيح”.

([65]) ضعيف سنن ابن ماجة للألباني ص۱۱۰، برقم (۳۱۳)، وقال: “ضعيف جدا”.

([66]) صحيح سنن ابن ماجة للألباني، ج1 ص٢٦٩، برقم (۱۳۱۰)، وقال:” صحيح”.

([67]) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء لأبي نعيم الأصفهاني، ج۲ ص ٤٣، حسنه الذهبي في أحاديث مختارة، (٦١).

([68]) بدائع الصنائع، ج5 ص١٢٤.

([69]) صحیح مسلم بشرح النووي، ج۸ ص۱۸۲-١٨٤.

([70]) إعلام الموقعين لابن القيم، ج۳ ص ۱۱، قال ابن حزم في المحلى، (١١/٣٢٥): أثر عن عمر كالشمس.

([71]) صحیح سنن ابن ماجة للألباني، ج۲ ص۳۰، برقم (١٨٥٦)، وقال: “صحيح”.

([72]) أخرجه البخاري في كتاب النفقات، باب إذا لم ينفق الرجل فللمرأة أن تأخذ بغير علمه ما يكفيها وولدها بالمعروف فتح الباري، ج۹ ص ٤١٨، برقم (٥٣٦٤).

([73]) بدائع الصنائع للكاساني، ج۷ ص۷۱-۷۲، وشرح فتح القدير لابن الهمام، ج 5 ص٣٧٧، وحاشية رد المحتار لابن عابدين، ج4 ص94-95، وكشف الحقائق للأفغاني، ج۱ ص ۳۹۸.

([74]) أسهل المدارك للكشناوي، ج۳ ص۱۸۱، وعقد الجواهر الثمينة لابن شاس، ج۳ ص۳۳۰ وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير، ج 4 ص ۳۳۷-۳۳۸.

([75]) حاشيتا قليوبي وعميرة، ج۳ ص۱۸۸، وبجيرمي على الخطيب، ج4 ص١٧٠، ومغني المحتاج للخطيب، ج4 ص163، وانظر: الإنصاف على مذهب الإمام أحمد، ج۱۰ ص۲۸۲.