سؤال مفاده‏: أن كثيراً من الذين يأكلون في غذائهم الثوم أو البصل يصلون في بيوتهم؛ لأنهم يرون أن أكلهما يمنع من الصلاة في المساجد فهل يجوز لهم ذلك؟

الصلاة في البيت بحجة أكل الثوم والبصل

وردت الإشارة إلى الثوم والبصل في القرآن الكريم في قول الله -تعالى- مذكراً بني إسرائيل نعمه التي جحدوها‏: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا} [البقرة : 61]. وأكثر المفسرين على أن المراد بـ{وَفُومِهَا} الثوم المعروف كما ورد النص على الثوم والبصل في السنة النبوية في سياق النهي عن الصلاة في المساجد لمن أكل منهما، والأصل في ذلك حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي قال في غزوة خيبر‏: (من أكل من هذه الشجرة يعني الثوم فلا يقربن مسجدنا)([1]). وفي حديث جابر بن عبدالله -رضي الله عنهما- قال‏: قال النبي : (من أكل من هذه الشجرة -يريد الثوم- فلا يغشانا في مساجدنا) قلت‏: ما يعني به؟ قال‏: ما أُراه يعني إلا نيئه، وقال مخلـد بن يزيد عن ابن جريج‏: إلا نتنه([2]). وفي حـديث أبي سـعيد  قال‏: لم نعد أن فتحت خيبر، فوقعنا أصحاب رسول الله في تلك البقلة الثوم والناس جياع، فأكلنا منها أكلاً شديداً، ثم رحنا إلى المسجد، فوجد رسول الله الريح، فقال‏: (من أكل من هذه الشجرة الخبيثة شيئاً فلا يقربنا في المسجد) فقال الناس‏: حرمت حرمت، فبلغ ذلك النبي فقال‏: (أيها الناس إنه ليس لي تحريم ما أحل الله لي، ولكنها شجرة أكره ريحها)([3]).

ففي الحديثين الأوليين منع لمن أكل الثوم أو البصل من دخول المساجد لما فيهما من الرائحة المؤذية للملائكة وللمصلين، وفي الحديث الثالث تفصيل لأسباب المنع، وهو شدة رائحة الصحابة الذين أكلوا من هاتين الشجرتين فأكثروا منهما؛ لكونهم في حاجة مما نتج عنه شدة الرائحة، فاقتضى هذا الحديث عدة مسائل، منها‏: المنع الصريح لمن أكل من هاتين الشجرتين من دخول المساجد، ومنها‏: أن المراد بكلمة (الشجرة الخبيثة) معنى الكراهة، وليس الخبث بمعناه المطلق؛ لأن رسول الله قال‏: (ليس لي تحريم ما أحل الله لي) فما أحله الله لا يسمى خبيثاً، فالمراد به الكراهة التي لا تقتضي التحريم، ومنها‏: أن شدة الرائحة كانت السبب في المنع، فاقتضى هذا أن العلة في المنع وجود الرائحة التي تؤذي الملائكة والمصلين.

واستدلالاً بهذه الأحاديث نص الفقهاء – رحمهم الله – على منع كل ما له رائحة مؤذية من دخول المساجد أياً كان مسماه، وفي هذا قال الإمام العيني في شرحه على صحيح البخاري‏: «العلة أذى الملائكة وأذى المسلمين فيختص النهي بالمساجد وما في معناها، ولا يختص بمسجده، بل المساجد كلها سواء، عملاً برواية (مساجدنا) بالجمع، وشذ من خصه بمسجده، وقال‏: ويلحق بما نص عليه الحديث بكل ما له رائحة كريهة من المأكولات وغيرها، وإنما خص هنا بالذكر وفي غيره أيضاً بالبصل والكراث لكثرة أكلهم لها، وكذلك ألحق بذلك بعضهم من بفيه بخراً، أو به جرح له رائحة، وكذلك القصاب والسماك والمجذوم… ([4]). وبمثل هذا درج عامة الفقهاء على المنع([5]).

قلت‏: إن رائحة الثوم والبصل هي العلة في منع دخول من أكل منهما المساجد، ويقاس على هذا كل ما له رائحة مؤذية للملائكة والمصلين كالتبغ، وما يوضع في المداخن من فضلات الفواكه مما يسمى (الجراك)، ناهيك بمن يكون لديهم رائحة تخرج من أجسامهم ولو لم يأكلوا ثوماً أو بصلاً أو كراثاً، كحال بعض العمال والحرفيين الذين يدخلون المساجد بملابسهم المتسخة وما ينتج عنها من الروائح؛ فالمنع إذاً مبني على الرائحة الكريهة لدى من يغشى المساجد بصرف النظر عن المسميات، ولا شك أن سبب الروائح الكريهة أياً كان مسماها يرجع في غالبه إلى انعدام نظافة الفم خاصة والجسم عامة، فإذا انتفت الرائحة الكريهة بفعل وسائل النظافة المتعددة في هذا الزمان انتفى المنع أياً كان المطعوم أو المشروب؛ ذلك أن النظافة من سنن الإسلام وقواعده وأخلاقه، ففي الحديث‏: (إن الله طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة)([6]). وفي مرسل سعيد بن المسيب‏: (إن الله طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة كريم يحب الكرم، جواد يحب الجود فنظفوا أفنيتكم، ولا تتشبهوا باليهود)([7]).

قلت‏: وأما ما ورد في السؤال بأن الذين يأكلون الثوم أو البصل يصلون في بيوتهم، فهذا خطأ منهم وإثم كبير عليهم؛ لأن صلاة الجماعة واجبة على كل مكلف مستطيع، والأحاديث في هذا كثيرة ومعلومة، منها‏: قول رسول الله : (لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد)([8]). وقوله عليه الصلاة والسلام‏: (من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر)([9]). ولهذا لا عذر لهم فيما فعلوا وعليهم أن ينظفوا أفواههم وأجسامهم مما يأكلون ويشربون ويشهدوا صلاة الجماعة وإلا تعرضوا للإثم.

وخلاصة المسألة‏: أن الثوم والبصل وما في حكمهما ليسا محرمين لذاتهما، وإنما يمنع آكلهما من دخول المساجد لوجود الرائحة المؤذية فيهما، وكذلك ما في حكمهما، فإذا أزيلت هذه الرائحة بفعل وسائل النظافة انتفى المنع، وعلى من يأكل من هذه المطعومات أو المشروبات شيئاً، أو يجد في نفسه رائحة مؤذية أن يزيلها بأى من هذه الوسائل، ولا عذر له في ترك صلاة الجماعة؛ لأن هذه الصلاة واجبة على كل مكلف مستطيع، فيأثم من تركها.

 

([1])  أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب ما جاء في الثوم النيئ والبصل والكراث برقم (853)، فتح الباري ج2 ص394.

([2])  أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب ما جاء في الثوم النيئ والبصل والكراث برقم (854)، فتح الباري ج2 ص394.

([3])  أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي من أكل ثوماً أو بصلاً أو كراثاً أو نحوهما، برقم (565)، صحيح مسلم بشرح النووي ج3 ص1847.

([4])  حاشية رد المحتار لابن عابدين على الدر المختار في مذهب الإمام أبي حنيفة ج1 ص661، وبلغة السالك لأقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك للصاوي ج2 ص525، والفواكه الدواني على رسالة أبي زيد القيرواني ج2 ص347-348، والمجموع شرح المهذب للنووي ج2 ص174-175، والشرح الكبير مع المغني للإمام ابن قدامة ج11 ص115، وكشاف القناع عن متن الإقناع للبهوتي ج1 ص497-498.

([5])  المصادر السابقة.

([6])  أخرجه أبو يعلى في مسنده (مسند سعد بن أبي وقاص) ج2 ص121.

([7])  أخرجه الترمذي في كتاب الأدب، باب ما جاء في النظافة برقم (2799)، وقال الترمذي‏: ‏هذا حديث غريب، وخالد بن إلياس يضعْف ج5 ص104.

([8])  أخرجه البيهقي في السنن الكبرى ج3 ص57، والحاكم في المستدرك ج1 ص373.

([9])  أخرجه البيهقي في السنن الكبرى ج3 ص174.