سؤال‮ ‬مــن‮ ‬الأخ‮ ج‮. ‬ق‮ ‬الطوهري‮ ‬من محافظة جازان في‮ ‬المملكة العربية السعودية عن صلاة الجماعة،‮ ‬وهل هي‮ ‬واجبة أم سنة مؤكدة‮؟‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

حكم صلاة الـجماعة ومدى وجوبها

  1. عندما تتغير أحوال الناس في أزمانهم وأماكنهم قد يسألون عن أمور ثبت عندهم وجوبها، ولو كان هذا الوجوب من مسلمات دينهم، وقد لا يكون السائل منهم يشكك في هذا الوجوب، إلا أن ما يشهده من غيره يدفعه إلى هذا السؤال.

وفي هذا الزمان الذي تتزاحم فيه الماديات، وينشغل فيه الناس بأمور الدنيا، يصبح السؤال عن المسلمات أمراً مقبولاً عندهم. ولعل الأخ السائل يشهد اليوم من يتساءل عن صلاة الجماعة ومدى وجوبها، وما إذا كان من اللازم تنبيه الناس أو إجبارهم على أداء هذا الواجب‏: كإغلاق أماكن بيعهم وشرائهم عند حلول وقت الصلاة.. أسئلة كثيرة في هذا المجال قد يتداولها بعض الناس.

والجواب عنها:  أن صلاة الجماعة من مسلمات الدين، وفي هذه المسلمات عموم وخصوص. أما العموم فإن دين الإسلام يأمر بالاجتماع، وينهى نهي تحريم عن التفرق والاختلاف؛ فمن الأمر بالاجتماع قول الله تعالى في الحذر حال الحرب:  {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعًا} [النساء: 17]. وقوله في وصف المجاهدين والثناء عليهم لاجتماعهم: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوص}  [الصف: 4] . وقوله عز وجل في الأمر بصلاة الجمعة:  {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُون} [الجمعة‏: 9]. والآيات في القرآن عن الاجتماع أكثر من أن تحصر في هذا الجواب.

أما النهي عن التفرق والاختلاف، فمنه قول الله عز وجل:  {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ} [آل عمران‏: 501] . وقوله:  {وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيد} [البقرة‏: 671] . وقوله:  {وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ} [النساء‏: 751] . والآيات في النهي عن الاختلاف وذمه أكثر من أن تحصر أيضاً في هذا الجواب. هذا في القرآن، أما في السنة فقد أمر رسول الله بملازمة الجماعة في قوله‏: (يد الله مع الجماعة)([1]). كما أمر بلزوم الجماعة في السفر بقوله‏: (الراكب شيطان، والراكبان شيطانان، والثلاثة ركب).

أما من حيث الخصوص فقد أمر الله بصلاة الجماعة في قوله تعالى: {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِين} [البقرة‏: 34]. وهذا أمر بإقامة الصلاة والركوع فيها مع الراكعين، وهذا لا يكون إلا مع جماعة، فاقتضى هذا أن إقامة الصلاة يكون مع الجماعة، وقد دلت سنة رسول الله على هذا في قوله‏: (ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان، فعليكم بالجماعة، فإنما يأكل الذئب القاصية)([2]). وقوله عليه الصلاة والسلام‏: (لقد هممت أن آمر المؤذن فيقيم، ثم آمر رجلاً يؤم الناس ثم آخذ شعلاً من نار، فأحرق من لا يخرج إلى الصلاة بعد)([3]). وهذا وعيد، ولا يكون الوعيد إلا لمن ترك ما أُمِرَ به لوجوبه عليه.

وفي مجال الاجتهاد بدت آراء في بعض مذاهب الأئمة عن مدى وجوب الصلاة جماعة، وهل هي واجبة أم سنة، ففي مذهب الإمام أبي حنيفة عامة مشايخ المذهب على أنها واجبة([4]). وفي مذهب الإمام الشافعي:  إن صلاة الجمعة في جماعة فرض عين، أما في غيرها من الفرائض فتجب بحيث يظهر الشعار في المكان، فإن امتنع كل أهله قوتلوا([5]). وفي مذهب الإمام أحمد‏: تجب صلاة الجماعة وجوب عين للصلوات الخمس، وهذا هو المعتمد في المذهب، ووجه الدلالة من القرآن قول الله تعالى‏: {وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِين}  [البقرة‏: 34] . وقوله عز وجل:  {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ} [النساء‏: 201]. فهذا أمر بالجماعة حال الخوف وفي غيره أولى وأشد([6]). أما وجه الدلالة من السنة فقول رسول الله ‏: (ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا)([7]). وقوله عليه الصلاة والسلام لابن أم مكتوم -وهو أعمى- لما سأله الرخصة أن يصلي في بيته:  (هل تسمع النداء بالصلاة؟) فلما قال‏: نعم. قال:  (ما أجد لك رخصة)([8]).

أما في مذهب الإمام ابن حزم:  فلا صلاة للمنفرد ما لم يكن له عذر، وفي هذا قال أبو محمد‏: «ولا تجزئ صلاة فرض أحد من الرجال إذا كان بحيث يسمع الأذان أن يصليها إلا في المسجد مع الإمام، فإن تعمد ترك ذلك بغير عذر بطلت صلاته. فإن كان بحيث لا يسمع الأذان ففرض عليه أن يصلي في جماعة مع واحد إليه فصاعداً، ولا بد فإن لم يفعل فلا صلاة له، إلا أن لا يجد أحداً يصليها معه، فيجزئه حينئذٍ إلا من له عذر، فيجزئه حينئذٍ التخلف عن الجماعة»([9]).

قلت‏: والصواب ما ذكر بأن صلاة الجماعة واجبة على المكلف وجوب عين، لا يسقط إلا بعذر، والأدلة على ذلك واضحة في الكتاب والسنة، كما ذُكر طرف منهما([10]).

 

([1])  أخرجه الترمذي في كتاب الفتن، باب ما جاء في لزوم الجماعة، سنن الترمذي ج4 ص405 برقم (2166)..

([2])  صحيح سنن أبي داود للألباني ج1 ص109، برقم (51).

([3])  أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب فضل العشاء في الجماعة، فتح الباري ج2 ص165، برقم (675).

([4])  بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للكاساني، ج1 ص155، وشرح فتح القدير لابن الهمام ج1 ص470 – 481، وحاشية ابن عابدين ج1 ص240-241.

([5])  الأم للشافعي ج1 ص153 – 154، ومغني المحتاج ج1 ص229-231، وقليوبي وعميرة ج1 ص220-221.

([6])  الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي، ج2 ص210-213، والمغني ج2 ص320-349، وكشاف القناع عن متن الإقناع ج1 ص244-245.

([7])  أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب فضل العشاء في الجماعة، فتح الباري ج2 ص165.

([8])  أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب في التشديد في ترك الجماعة، سنن أبي داود ج1 ص151، برقم (522)، وأخرجه ابن ماجة في كتاب المساجد والجماعات، باب التغليظ في التخلف عن الجماعة، سنن ابن ماجة، ج1 ص260، برقم( 792 ).

([9])  المحلى بالآثار ج3 ص105-106.

([10])     ينظر تفصيل ذلك في كتاب رسائل ومسائل في الفقه للكاتب ج2 ص195-203.