سؤال: عن رجل عليه زكاة، ويسأل عما إذا كان عليه أن يدفعها لأطفال فقراء يسكنون معه في الحي، أم يدفعها للمساعدة في بناء مسجد الحي، حيث إنهم يصلون في العراء؟

هل الأولى دفع الزكاة للفقراء، أم في بناء مسجد

دفع الزكاة يجب أن يكون للمستحق لها، والأصل فيه قول الله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [التوبة: ٦٠]، وقول نبيه ورسوله محمد لرجل سأله أن يعطيه من الصدقة: «إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات، حتى حكم فيها، فجزأها ثمانية أجزاء، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك»([1])، وقوله -عليه الصلاة والسلام- لمعاذ بن جبل لما بعثه إلى اليمن: «إنك ستأتي قومًا من أهل الكتاب، فإذا جئتهم فأدعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فإن هم أطاعوك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم الحديث([2]).

فدل ذلك حكمًا على أن الزكاة لا تجب إلا لهؤلاء الأصناف الثمانية، الذين ذكرهم الله في محكم كتابه، وأولهم الفقراء الذين يوصفون بهذا الوصف لعدم قدرتهم على إعالة أنفسهم، لأي سبب لا يستطعون معه القيام برزقهم، ورزق من يعولون شرعًا، فحقت لهم الزكاة حقًّا من حقوقهم، على من تجب عليه. فالفقر إذًا في اللغة ضد الغنى([3]). وفي الإصطلاح: أن الفقير في مذهب الإمام أبي حنيفة من يملك دون نصاب من المال النامي([4]).

وفي مذهب الإمام مالك: أنه من يملك شيئًا لا يكفيه قوت عامه([5]). وفي مذهب الإمام الشافعي: أنه لا يملك شيئًا، أو أنه يجد يسيرًا من مال أو كسب لا يقع موقعًا من كفايته([6]) وهو كذلك في مذهب الإمام أحمد([7]). ولا خلاف بين الأئمة -رحمهم الله- في مسألة اختصاص الفقير بالزكاة دون غيره، وقد يختلف السبب في هذا الاختصاص.

ففي مذهب الإمام أبي حنيفة: أنه لا يجوز أن يبنى من الصدقة مسجدًا أو يكفن منها ميتًا، وكذا بناء القناطر والسقايات وإصلاح الطرقات والحج والجهاد، وذلك لانعدام التمليك([8]).

وفي مذهب الإمام مالك: لا يجوز صرف الزكاة إلى غير الأصناف الثمانية إلى غيرهم؛ لأنها جهة صرفها، كما لا تجوز الصلاة إلى جهة سوى جهة الكعبة؛ لأنها جهة الصلاة([9]).

وفي مذهب الإمام الشافعي: أن عدم صرف الزكاة لغير الأصناف الذين ذكرهم الله مجمع عليه بلا خلاف([10]). وبمثل ذلك ورد في مذهب الإمام أحمد، وفيما روي عن أنس والحسن بأنهما قالا: ما أعطيت في الجسور والطرق فهو صدقة ماضية. قال الإمام ابن قدامة: الحصـر هو الأصح؛ لأن الله تعالى قال: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ}، و(إنما) للحصـر، تثبت المذكور وتنفي ما عداه؛ لأنها مركبة من حرفي نفي وإثبات، فجرى مجرى قوله تعالى: {إِنَّمَا اللّهُ إِلَـهٌ وَاحِدٌ} أي لا إله إلا الله، وينبني على ما سبق ذكره وجوب صرف الزكاة في السؤال للأطفال الفقراء الذين ورد ذكرهم في السـؤال، ومن هم على شـاكلتهم، وذلك لتعلق حقهم بها نصًّا في كتاب الله، ناهيك بأن صرفها لهم مما يعد من الضرورات الشرعية لحفظ النفس.

وخلاصة المسـألة: وجوب صـرف الزكاة للأطفال، الذين ورد ذكرهـم في السـؤال، ومن على شـاكلتهم من الفقـراء والمعوزين، وذلك لتعلق حقهم بهـا نصًّا محكمًا في كتاب الله، وهذا الحق مقدم على أي أمر آخر لبناء المساجد ونحوها.

 

 

([1]) أخرجه أبو داود في كتاب الزكاة، باب من يعطي من الصدقة وحدّ الغني برقم (١٦٣١)، ضعفه الألباني في ضعيف أبي داود، (١٦٣٠).

([2]) أخرجه البخاري في كتاب المغازي، باب بعث أبي موسى ومعاذ رضي الله عنهما إلى اليمن قبل حجة الوداع برقم (٤٣٤٧).

([3]) المصباح المنير ولسان العرب مادة (فقر).

([4]) درر الحكام شرح غرر الأحكام للملا خسرو ج١ ص١٨٨.

([5]) المعونة على مذهب عالم المدينة للبغدادي ج١ ص٤٤١.

([6]) مغنى المحتاج ج٣ ص١٠٦.

([7]) كشاف القناع ج٢ ص٢٧١.

([8]) حاشية رد المحتار على الدر المختار لابن عابدين ج٢ ص٣٤٤ وشرح فتح القدير لابن الهمام ج٢ ص٢٦٧.

([9]) المعونة على مذهب عالم المدينة الإمام مالك بن أنس للبغدادي ج١ ص٤٤٠.

([10])    نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج للرملي ج٦ ص١٥١. والمغني لابن قدامة ج٩ ص٣٠٥-٣٠٦.