الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
ففي تعليق على ما سبق أن ذكرنا عن قضاء الفوائت ذكر الأخ المعتز بالله علي قوله(وجب قضاء الفوائت ولا تسقط)، ومراده أن فائتة الصلاة لا تسقط وعليه قضاؤها.
والجواب – كما ذكرنا – أن ما فات العبد من الصلاة يجب عليه قضاؤه، وهذا هو الواجب، والأصل لأن الصلاة فرض كتب الله على عباده القيام به في أوقاتها المعلومة، ولكن فوائت الصلاة إذا كانت كثيرة سوف يعجز من فاتته عن القيام بها، فإذا كان قد ترك الصلاة مدة سنة أو سنتين ثم هداه الله فتاب عن سوء فعله، فهل يقضي ما فاته مدة سنتين؟
صحيح أن التهاون في الصلاة منكر عظيم، وقد توعد الله على هذا التهاون بالعذاب الشديد، ومع ذلك ليس من وسيلة سوى التوبة إلى الله.
فمن لطفه بعباده ورحمته لهم أن جعل التوبة وسيلة لهم ليكفر عن سيئاتهم ويعفو عن خطيئاتهم، قال -تقدس اسمه-: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ “(التحريم:8) وقال -جل في علاه-: ” وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ”(طه:82).
والآيات في الحث على التوبة كثيرة، والسائلة تشعر بذنبها وتعود إلى الله، والله وعدها بالمغفرة إذا تابت، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، كما قال ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: ” التائبُ من الذنبِ كمن لا ذنبَ لهُ”([1]) فإن كان تركها للصلاة مدة أيام فعليها قضاء ما فاتها مع التوبة إلى الله، أما إن كان تركها للصلاة أشهرًا وسنوات فلن تستطيع قضاء فوائتها، وعليها حينئذ التوبة النصوح بشروطها الثلاثة وهي: الإقلاع عن الذنب، والندم على ما فات، والعزم على عدم العودة إليه مع كثرة الاستغفار، فعسى الله أن يتوب على كل مذنب تاب وأناب وعمل صالحًا؛ فهو أرحم الراحمين.
والله -تعالى- أعلم .
[1] أخرجه ابن ماجة(4250 )،والطبراني في ((المعجم الكبير)) (10281 )، والقضاعي في ((مسند الشهاب)) (108 ) وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة برقم(3446).